تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٠
وصح عند بعض رجوع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى القول بالحرمة بعد قوله بحلها مطلقا أو وقت الاضطرار إليها، واستدل ابن الهمام على رجوعه بما رواه الترمذي عنه أنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزلت الآية * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (المؤنون: 6). قال ابن عباس: فكل فرج سواهما فهو حرام، ولا أدري ما عنى بأول الإسلام فإن عنى ما كان في مكة قبل الهجرة أفاد الخبر أنها كانت تفعل قبل إلى أن نزلت الآية فإن كان نزولها قبل الهجرة فلا إشكال في الاستدلال بها على الحرمة لو لم يكن بعد نزولها إباحة لكنه قد كان ذلك، وإن عنى ما كان بعد الهجرة أوائلها وأنها كانت مباحة إذ ذاك إلى أن نزلت الآية كان ذلك قولا بنزول الآية بعد الهجرة وهو خلاف ما روى عنه من أن السورة مكية المتبادر منه الاصطلاح الأول ولعله يلتزم ذلك؛ ويقال: إن استدلاله بالآية قول باستثنائها كما مر آنفا أو يقال: إن هذا الخبر لم يصح، ويؤيد هذا قول العلامة ابن حجر: أن حكاية الرجوع عن ابن عباس لم تصح بل صح كما قال بعضهم عن جمع أنهم وافقوه في الحل لكن خالفوه فقالوا: لا يترتب على ذلك أحكام النكاح، وبهذا نازع الزركشي في حكاية الاجماع فقال: الخلاف محقق وإن ادعى جمع نفيه انتهى. ويفهم منه أن ابن عباس يدخل المستمتع بها في الأزواج وحينئذ لا تقوم الآية دليلا عليه فتدبر.
ونسب القول بجواز المتعة إلى مالك رضي الله تعالى عنه وهو افتراء عليه بل هو كغيره من الأئمة قائل بحرمتها بل قيل إنه زيادة على القول بالحرمة يوجب الحد على المستمتع ولم يوجبه غيره من القائلين بالحرمة لمكان الشبهة.
وكذا اختلف في استمناء الرجل بيده ويسمى الخضخضة وجلد عميرة فجمهور الأئمة على تحريمه وهو عندهم داخل فيما وراء ذلك، وكان أحمد بن حنبل يجيزه لأن المني فضلة في البدن فجاز إخراجها عند الحاجة كالفصد والحجامة، وقال ابن الهمام: يحرم فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء أن لا يعاقب. ومن الناس من منع دخوله فيماذكر ففي " البحر " كان قد جرى لي في ذلك كلام مع قاضي القضاة أبي الفتح محمد بن علي بن مطيع القشيري بن دقيق العيد فاستدل على منع ذلك بهذه الآية فقلت: إن ذلك خرج مخرج ما كانت العرب تفعله من الزنا والتفاخر به في أشعارها وكان ذلك كثيرا فيهم بحيث كان في بغاياهم صاحبات رايات ولم يكونوا ينكرون ذلك وأما جلد عميرة فلم يكن معهودا فيهم ولا ذكره أحد منهم في شعر فيما علمناه فليس بمندرج فيما وراء ذلك انتهى، وأنت تعلم أنه إذاثبت أن جلد عميرة كناية عن الاستمناء باليد عند العرب كما هو ظاهر عبارة " القاموس " فالظاهر ان هذا الفعل كان موجودا فيما بينهم وإن لم يكن كثيرا شائعا كالزنا فمتى كان ذلك من أفراد العام لم يتوقف اندراجه تحته على شيوعه كسائر أفراده، وفي الأحكام إذا كان من عادة المخاطبين تناول طعام خاص مثلا فورد خطاب عام بتحريم الطعام نحو حرمت عليكم الطعام فقد اتفق الجمهور من العلماء على إجراء اللفظ على عمومه في تحريم كل طعام على وجه يدخل فيه المعتاد وغيره وإن العادة لا تكون منزلة للعموم على تحريم المعتاد دون غيره خلافا لأبي حنيفة عليه الرحمة وذلك لأن الحجة إنما هي في اللفظ الوارد وهو مستغرق لكل مطعوم بلفظه ولا ارتباط له بالعوائد وهو حاكم على العوائد فلا تكون العوائد حاكمة عليه، نعم لو كانت العادة في الطعام المعتاد أكله قد خصصت بعرف الاستعمال اسم الطعام بذلك الطعام كما خصصت الدابة بذوات القوائم الأربع لكان لفظ الطعام منزلا عليه دون غيره ضرورة تنزيل مخاطبة الشارع للعرب على ما هو المفهوم لهم من لغتهم.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»