بالنسبة إلى قدرته تعالى مما لا يعتد به، وهو اسم جنس جمعي واحده سحابة، والمعنى كما في " البحر " يسوق سحابة إلى سحابة * (ثم يؤلف بينه) * بأن يوصل سحابة بسحابة، وقال غير واحد: السحاب واحد كالعماء والمراد يؤلف بين أجزائه وقطعه وهذا لأن بين لا تضاف لغير متعدد وبهذا التأويل يحصل التعدد كما قيل به في قوله: بين الدخول فحومل * واستغنى بعضهم عنه بجعل السحاب اسم جنس جمعي على ما سمعت.
وقرأ ورش عن نافع * (يؤلف) * غير مهموز * (ثم يجعله ركاما) * أي متراكما بعضه فوق بعض * (فترى الودق) * أي المطر شديدا كان أو ضعيفا إثر تراكمه وتكاثفه، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بجيلة عن أبيه أنه فسر الودق بالبرق ولم نره لغيره والذي رأيناه في معظم التفاسير وكتب اللغة أنه المطر * (يخرج من خلاله) * أي من فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والانعصار وهو جمع خلل كجبال وجبل، وقيل: هو مفرد كحجاب وحجاز، وأيد بقراءة ابن عباس. وابن مسعود. وابن زيد. والضحاك. ومعاذ العنبري عن أبي عمرو. والزعفراني من * (خلله) * والمراد حينئذ الجنس، والجملة في موضع الحال من * (الودق) * لأن الرؤية بصرية، وفي تعقيب الجعل المذكور برؤيته خارجا لا بخروجه من المبالغة في سرعة الخروج على طريقة قوله تعالى: * (فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق) * ومن الاعتناء بتقرير الرؤية ما لا يخفى * (وينزل من السماء) * أي من السحاب فإن كل ما علاك سماء، وكأن العدول عنه إلى السماء للإيماء إلى أن للسمو مدخلا فيما ينزل بناء على المشهور في سبب تكون البرد، وجوز أن يراد بها جهة العلو وللإيماء المذكور ذكرت مع التنزيل * (من جبال) * أي من قطع عظام تشبه الجبال في العظم على التشبيه البليغ كما في قوله تعالى: * (حتى إذا جعله نارا) * (الكهف: 96) والمراد بها قطع السحاب، ومن الغريب الذي لا تساعده اللغة كما في " الدرر " و " الغرر الرضوية " قول الأصبهاني: إن الجبال ما جبله الله تعالى أي خلقه من البرد * (فيها) * أي في السماء، والجار والمجرور في موضع الصفة لجبال، وقوله تعالى: * (من برد) * وهو معروف، وسمي بردا لأنه يبرد وجه الأرض أي يقشره من بردت الشيء بالمبرد مفعول * (ينزل) * على أن من تبعيضية، وقيل: زائدة على رأي الأخفش والأوليان لابتداء الغاية، والجار والمجرور الثاني بدل من الأول بدل اشتمال أو بعض أي ينزل مبتدأ من السماء من جبال كائنة فيها بعض برد أو بردا.
وزعم الحوفي أن من الثانية للتبعيض كالثالثة مع قوله بالبدلية وهو خطأ ظاهر، وقيل: من الأولى ابتدائية والثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول، وقيل: زائدة على رأي الأخفش أيضا والثالثة للبيان أي ينزل مبتدأ من السماء بعض جبال أو جبالا كائنة فيها التي هي برد فالمنزل برد، وعن الأخفش إن * (من) * الثانية ومن الثالثة زائدتان وكل من المجرورين في محل نصب أما الأول فعلى المفعولية لينزل وأما الثاني فعلى البدلية منه أي ينزل من السماء جبالا بردا ومآله ينزل من السماء بردا.
وقال الفراء: هما زائدتان إلا أن المجرور بأولاهما في موضع نصب على المفعولية والمجرور بثانيتهما في موضع رفع إما على أنه مبتدأ و * (فيها) * خبره والضمير من * (فيها) * للجبال أي ينزل من السماء جبالا في تلك الجبال برد لا شيء آخر من حصى وغيره، وإما على أنه فاعل * (فيها) * لأنه قد اعتمد على الموصوف أعني الجبال وضمير راجع إليها أيضا. والمراد بالجبال على غير ما قول الكثرة مجازا وقد جاء استعمالها فيها كذلك في قول ابن مقبل: