تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٣٠
جزئي الجملة لزيادة التأكيد كما في قول جرير:
إن الخليفة إن الله سربله * سربال ملك به تزجى الخواتيم وقيل: خبر إن الأولى محذوف أي مفترقون يوم القيامة أو نحو ذلك مما يدل عليه قوله سبحانه: * (إن الله يفصل بينهم) * الخ فإن قولك: إن زيدا إن عمرا يضربه ردىء، والبيت لا يتعين فيه جعل الجملة المقترنة بأن خبرا بل يجوز أن تكون معترضة والخبر جملة به تزجى الخواتيم، ولا يخفى عليك بعد تسليم الرداءة أن الآية ليست كالمثال المذكور لطول الفاصل فيها، قال في " البحر ": وحسن دخول إن في الجملة الواقعة خبرا في الآية طول الفصل بالمعاطيف، وقال الزجاج: زعم قوم أن قولك: إن زيدا أنه قائم ردىء وأن هذه الآية إنما صلحت بتقدم الموصول ولا فرق بين الموصول وغيره في باب إن وليس بين البصريين خلاف في أن إن تدخل على كل مبتدأ وخبر فعلي هذا لا ينبغي العدول على الوجه المتبادر، والمراد بالفصل القضاء أي إنه تعالى يقضي بين المؤمنين والفرق الخمس المتفقة على الكفر بإظهار المحق من المبطل وتوفية كل منهما حقه من الجزاء بإثابة المؤمنين وعقاب الفرق الآخرين بحسب استحقاق أفراد كل منهما، وقيل: المراد أنه تعالى يفصل بين الفرق الست في الأحوال والأماكن جميعا فلا يجازيهم جزاء واحدا بلا تفاوت بل يجزي المؤمنين بما يليق واليهود بما يليق بهم وهكذا ولا يجمعهم في موطن واحد بل يجعل المؤمنين في الجنة وكلا من الفرق الكافرة في طبقة من طبقات النار، وقوله تعالى: * (إن الله على كل شيء شهيد) * تعليل لما قبله من الفصل أي أنه تعالى عالم بكل شيء من الأشياء ومراقب لأحواله ومن قضيته الإحاطة بتفاصيل ما صدر عن كل فرد من أفراد الفرق المذكورة وإجراء جزائه اللائق به عليه [بم وقوله تعالى:
* (ألم تر أن الله يسجد له من فى السم‍اوات ومن فى الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشآء) *.
* (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض) * الخ بيان لما يوجب الفصل المذكور من أعمال الفرق مع الإشارة إلى كيفيته وكونه بطريق التعذيب والإثابة والإكرام والإهانة، وجوز أن يكون تنويرا لكونه تعالى شهيدا على كل شيء، وقيل: هو تقريع على اختلاف الكفرة واستبعاد له لوجوب الصارف، والمراد بالرؤية العلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك. والمراد بالسجود دخول الأشياء تحت تسخيره تعالى وإرادته سبحانه وقابليتها لما يحدث فيها عز وجل، وظاهر كلام الآمدي أنه معنى حقيقي للسجود. وفي مفردات الراغب السجود في الأصل التطامن والتذلل وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله تعالى وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد. وذلك ضربان سجود باختيار يكون للإنسان وبه يستحق الثواب وسجود بتسخير يكون للإنسان وغيره من الحيوانات والنباتات. وخص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما جرى مجراه من سجود التلاوة وسجود الشكر انتهى.
وذكر بعضهم أنه كما خص في الشريعة بذلك خص في عرف اللغة به. وقال ابن كمال: إن حقيقته على ما نص عليه في المجمل وضع الرأس، وقال العلامة الثاني: حقيقته وضع الجبهة لا الرأس حتى لو وضع الرأس من جانب القفا لم يكن ساجدا، وعلى هذين القولين على علاتهما قيل السجود هنا مجاز عن الدخول تحت تسخيره تعالى والانقياد لإرادته سبحانه. وجوز أن يكون مجازا عن دلالة لسان حال الأشياء بذلتها وافتقارها على صانعها وعظمته جلت عظمته، ووجه التنوير على هذا ظاهر وكذا التقريع على الاختلاف. و * (من) * إما خاصة بالعقلاء وإما عامة لهم ولغيرهم بطريق التغليب وهو الأولى لأنه الأنسب بالمقام لإفادته شمول الحكم
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»