تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٣٣
الناس ولا يسجد كثير منهم، ولا يخفى ما في تلك الإقامة من الترهيب عن ترك السجود والطاعة، ولا يخفى ما في عدم التصريح بتقييد الكثير بكونه من الناس مما يقوى دعوى أن التقييد فيما تقدم للتنويه، وحمل عدم التقييد ليعم الكثير من الجن خلاف الظاهر جدا.
وجوز أن يكون معطوفا على من والسجود بأحد المعنيين السابقين وجملة * (حق) * الخ صفته ويقدر وصف لكثير الأول بقرينة مقابله أي حق له الثواب و * (من الناس) * صفة له أيضا، ولا يخفى ما فيه، وقرىء * (حق) * بضم الحاء و * (حقا) * أي حق عليه العذاب حقا فهو مصدر مؤكد لمضمون الجملة * (ومن يهن الله) * بأن كتب الله تعالى عليه الشقاء حسبما استعدت له ذاته من الشر، ومن مفعول مقدر ليهن * (فما له من مكرم) * يكرمه بالسعادة.
وقرأ ابن أبي عبلة * (مكرم) * بفتح الراء على أنه مصدر ميمي كما في " القاموس " أي مما له إكرام، وقيل اسم مفعول بمعنى المصدر ولا حاجة إلى التزامه، وقيل يجوز أن يكون باقيا على ما هو الشائع في هذه الصيغة من كونه اسم مفعول، والمعنى ما له من يكرم ويشفع فيه ليخلص من الإهانة. ولا يخفى بعده * (إن الله يفعل ما يشاء) * من الأشياء التي من جملتها الإكرام والإهانة، وهذا أولى من تخصيص ما بقرينة السياق بهما.
* (ه‍اذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم) *.
* (هذان خعصمان اختصموا في ربهم) * تعيين لطرفي الخصام وتحرير لمحله فالمراد بهذان فريق المؤمنين وفريق الكفرة المنقسم إلى الفرق الخمس. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ومجاهد. وعطاء بن أبي رباح. والحسن. وعاصم. والكلبي ما يؤيد ذلك وبه يتعين كون الفصل السابق بين المؤمنين ومجموع من عطف عليهم، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة جاء * (اختصموا) * بصيغة الجمع.
وقرأ ابن أبي عبلة * (اختصما) * مراعاة للفظ * (خصمان) * وهو تثنية خصم؛ وذكروا أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد المذكر وغيره، قال أبو البقاء: وأكثر الاستعمال توحيده فمن ثناه وجمعه حمله على الصفات والأسماء، وعن الكسائي أنه قرأ * (خصمان) * بكسر الخاء، ومعنى اختصامهم في ربهم اختصامهم في شأنه عز شأنه، وقيل في دينه، وقيل في ذاته وصفاته والكل من شؤونه تعالى واعتقاد كل من الفريقين حقية ما هو عليه وبطلان ما عليه صاحبه وبناء أفواله وأفعاله عليه يكفي في تحقق خصومته للفريق الآخر ولا يتوقف عن التحاور.
وأخرج ابن جرير. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: تخاصمت المؤمنون واليهود فقالت اليهود: نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله تعالى آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله تعالى من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت.
وأخرج جماعة عن قتادة نحو ذلك. واعترض بأن الخصام على هذا ليس في الله تعالى بل في أيهما أقرب منه عز شأنه، وأجيب بأنه يستلزم ذلك وهو كما ترى. وقيل عليه أيضا: أن تخصيص اليهود خلاف مساق الكلام في هذا المقام. وفي " الكشف " قالوا: إن هذا لا ينافي ما روي عن ابن عباس من أن الآية ترجع إلى أهل الأديان الستة في التحقيق لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. وابن ماجه. والطبراني. وغيرهم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية * (هذان خصمان) * إلى قوله تعالى: * (إن الله يفعل ما يريد) * (الحج: 14)
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»