مبتدأ وخبرها محذوف كما في الوجه السابق، والجملة في محل نصب بيدعو، وإلى هذا الوجه أشار الفارسي ولا يخفى عليك ما فيه.
وقال الفراء: إن الالم دخلت في غير موضعها والتقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه فمن في محل نصب بيدعو. وتعقبه أبو حيان وغيره بأنه بعيد لأن ما في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول، وقال ابن الحاجب: قيل اللام زائدة للتوكيد ومن مفعول يدعو وليس بشيء لأن اللام المفتوحة لا تزاد بين الفعل ومفعوله لكن قوي القول بالزيادة هنا بقراءة عبد الله * (يدعو) * من ضره بإسقاط اللام، وقيل: * (يدعو) * بمعنى يسمى * (ومن) * مفعوله الأول ومفعوله الثاني محذوف أي إلها، ولا يخف عليك ما فيه، وقيل: إن يدعو ليست عاملة فيما بعدها وإنما هي عاملة في ذلك قبلها وهو موصول بمعنى الذي، ونقل هذا عن الفارسي أيضا، وهو على بعده لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم الإشارة مطلقا أن يكون موصولا، وأما البصريون فلا يجيزون إلا في ذا بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أومن، وقيل هي عاملة في ضمير محذوف راجع إلى ذلك أي يدعوه، والجملة في موضع الحال والتقدير * (ذلك هو الضلال البعيد) * مدعوا وفيه مع بعده أن * (يدعو) * لا يقدر بمدعوا وإنما يقدر بداعيا والذي يقدر بمدعوا إنما هو يدعى المبني للمفعول، وقيل: * (يدعو) * عطف على يدعو الأول وأسقط حرف العطف لقصد تعداد أحوال ذلك المذبذب واللام زائدة و * (من) * مفعول * (يدعو) * وهي واقعة على العاقل والدعاء في الموضعين إما بمعنى العبادة وإما بمعنى النداء، والمراد إما بيان حال طائفة منهم على معنى أنهم تارة يدعون ما لا يضر ولا ينفع وتارة يدعون من ضره أقرب من نفعه، وأما بيان حال الجنس باعتبار ما تحته على معنى أن منهم من يدعو ما لا يضر ولا ينفع ومنهم من يدعو من ضره أقرب من نفعه وهو كما ترى، وبالجملة أحسن الوجوه أولها.
* (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الانهار إن الله يفعل ما يريد) *.
* (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) * استئناف لبيان كمال حسن حال المؤمنين العابدين له تعالى وإنه تعالى يتفضل عليهم بالنعيم الدائم إثر بيان غاية سوء حال الكفرة.
وجملة * (تجري) * الخ صفة لجنات فإن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها فجريان الأنهار من تحتها ظاهرة، وإن أريد بها الأرض فلا بد من تقدير مضاف أي من تحت أشجارها وإن جعلت عبارة عن مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل كما في إرشاد العقل السليم.
وقوله تعالى: * (إن الله يفعل ما يريد) * تعليل لما قبله وتقرير بطريق التحقيق أي هو تعالى يفعله البتة كل ما يريده من الأفعال المتقنة اللاثقة المبنية على الحكم الرائقة التي من جملتها إثابة من آمن به وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم وعقاب من كفر به وكذب برسوله عليه الصلاة والسلام.
* (من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والاخرة فليمدد بسبب إلى السمآء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) *.
* (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) * الضمير في * (ينصره) * لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى عن ابن عباس. والكلبي. ومقاتل. والضحاك. وقتادة. وابن زيد. والسدي. واختاره الفراء. والزجاج كأنه لما ذكر المجادل بالباطل وخذلانه في الدنيا لأنه يدلى بحجة ما ضرورية أو نظرية ضرورية أو نظرية أو سمعية ولما يؤل إليه أمره من النكال، وفي الآخرة بما هو أطم وأطم ثم ذكر سبحانه مشايعيه وعمم خسارهم في الدارين ذكر في مقابلهم المؤمنين وأتبعه ذكر المجادل عنهم وعن دين الله تعالى بالتي هي أحسن وهو رسوله عليه الصلاة والسلام، وبالغ في كونه منصورا بما لا مزيد عليه، واختصر الكلام دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم العلم الذي لا يشتبه وأن الكلام