تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٣١
لكل ما فيها بطريق القرار فيهما أو بطريق الجزئية منهما، ويكون قوله تعالى:
* (والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) * أفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها بحسب الظاهر في بادىء النظر القاصر كما قيل أو لأنها قد عبدت من دون الله تعالى إما باعتبار شخصها أو جنسها. فالشمس عبدتها حمير. والقمر عبدته كنانة. وعبد الدبران من النجوم تميم. والشعري لخم. وقريش، والثريا طىء، وعطاردا أسد. والمرزم ربيعة، وعبد أكثر العرب الأصنام المنحوتة من الجبال. وعبدت غطفان العزى وهي سمرة واجدة السمر شجر معروف، ومن الناس من عبد البقر. وقرأ الزهري. وابن وثاب * (الدواب) * بتخفيف الباء. وخص ابن جني في المحتسب هذه القراءة بالزهري، وقال: لا أعلم من خففها سواه وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة.
وقوله تعالى: * (وكثير من الناس) * قيل مرفوع بفعل مضمر يدل عليه المذكور أي ويسجد له كثير من الناس يجود الطاعة المعروف. واعترض بأنه صرح في " المغني " بأن شرط الدليل اللفظي على المحذوف أن يكون طبقه لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا فقط فلا يجوز زيد ضارب وعمرو على أن خبر عمرو محذوف وهو ضارب من الضرب في الأرض أي مسافر والمذكور بمعناه المعروف. وأجاب الخفاجي بأن ما ذكر غير مسلم لما ذكره النحاة من أن المقدرة قد يكون لازما للمذكور نحو زيدا ضربت غلامه أي أهنت زيدا ولا يكون مشتركا كالمثال المذكور إلا أن يكون بينهما ملاءمة فيصح إذا اتحدا لفظا وكان من المشترك وبينهما ملازمة تدل على المقدر ولذا لم يصح المثال المذكور انتهى، وعتطفه بعضهم على المذكورات قبله وجعل السجود بالنسبة إليه بمعنى السجود المعروف وفيما تقدم بمعنى الدخول تحت التسخير أو الدلالة على عظمة الصانع جل شأنه. واستدل بذلك على جواز استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والجواب ما علمت، ولا يجوز العطف وجعل السجود في الجميع بمعنى الدخول تحت التسخير أو الدلالة على العظمة لأن ذلك عام لجميع الناس فلا يليق حينئذ ذكر * (كثير) * وغير العام إنما هو السجود بالمعنى المعروف فيفيد ذكر * (كثير) * إذا أريد أن منهم من لم يتصف بذلك وهو كذلك، وما قيل: إنه يجوز أن يكون تخصيص الكثير على إرادة السجود العام للدلالة على شرفهم والتنويه بهم ليس بشيء إذ كيف يتأتى التنويه وقد قرن بهم غير العقلاء كالدواب، وقال ابن كمال: تمسك من جوز حمل المشترك في استعمال واحد على أكثر من معنى بقوله تعالى: * (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض) * الآية بناء على أن المراد بالسجود المنسوب إلى غير العقلاء الانقياد لتعذر السجود المعهود في حقه ومن المنسوب إليهم ما هو المعهود دون الانقياد لأنه شامل للكل غير مخصوص بالكثير ولا متمسك لهم في ذلك لأن كلا من التعليلين في معرض المنع، أما الأول فلأن حقيقة السجود وضع الرأس ولا تعذر في نسبته إلى غير العقلاء ولا حاجة إلى إثبات حقيقة الرأس في الكل لأن التغليب سائغ شائع، وأما الثاني فلأن الكفار لا سيما المتكبرين منهم لا حظ لهم من الانقياد لأن المراد منه الإطاعة بما ورد في حقه من الأمر تكليفيا كان أو تكوينيا على وجه ورد به الأمر وتقدير فعل آخر في هذا المقام من ضيق العطن كما لا يخفى على أرباب الفطن انتهى. وفيه القول بجواز العطف
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»