نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر هم حمزة بن عبد المطلب. وعبيدة بن الحرث. وعلي بن أبي طالب. وعتبة. وشيبة ابنا ربيعة. والوليد بن عتبة، وأنت تعلم أن هذا الاختصام ليس اختصاما في الله تعالى بل منشؤه ذلك فتأمل ولا تغفل.
وأما ما قيل من أن المراد بهذين الخصمين الجنة والنار فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان أو ينتطح فيه كبشان، وفي الكلام كما قال غير واحد تقسيم وجمع وتفريق فالتقسيم * (إن الذين آمنوا - إلى قوله تعالى - والذين أشركوا) * والجمع * (إن الله يفصل بينهم) * إلى قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * (الحج: 17 - 19) والتفريق في قوله سبحانه: * (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) * الخ أعد أعد لهم ذلك، وكأنه شبه أعداد النار المحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثتهم ففي الكلام استعارة تمثيلية تهكمية وليس هناك تقطيع ولا ثياب حقيقة، وكأن جمع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم وكون بعضها فوق بعض.
وجوز أن يكون ذلك لمقابلة الجمع بالجمع والأول أبلغ، وعبر بالماضي لأن الإعداد قد وقع فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما في * (نفخ في الصور) * (الحاقة: 101).
وأخرج جماعة عن سعيد بن جبير أن هذه الثياب من نحاس مذاب وليس شيء حمي في النار أشد حرارة منه فليست الثياب من نفس النار بل من شيء يشبهها وتكون هذه الثياب كسوة لهم وما أقبحها كسوة. ولذا قال وهب: يكسى أهل النار والعرى خير لهم. وقرأ الزعفراني في اختياره * (قطعت) * بالتخفيف والتشديد أبلغ.
* (يصب من فوق رؤسهم الحميم) * أي الماء الحار الذي انتهت حرارته، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لو سقط من الحميم نقطة على جبال الدنيا لإذابتها، وفسره ابن جبير بالنحاس المذاب، والمشهور التفسير السابق، ولعله إنما جىء بمن ليؤذن بشدة الوقوع؛ والجملة مستأنفة أو خبر ثان للموصول أو في موضع الحال المقدرة من ضمير * (لهم) *.
* (يصهر به ما فى بطونهم والجلود) *.
* (يصهر به) * أي يذاب * (ما في بطونهم) * من الأمعاء والأحشاء.
وأخرج عبد بن حميد. والترمذي وصححه. وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد. وجماعة عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق إلى قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان ".
وقرأ الحسن. وفرقة * (يصهر) * بفتح الصاد وتشديد الهاء، والظاهر أن قوله تعالى: * (والجلود) * عطف على * (ما) * وتأخيره عنه قيل إما لمراعاة الفواصل أو للإشعار بغاية شدة الحرارة بإيهام أن تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أن ملابستها على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر غني عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأن المقصود الأهم، وقيل التقدير ويحرق الجلود لأن الجلود لا تذاب وإنما تجتمع على النار وتنكمش، وفي " البحر " أن هذا من باب: علفتها تبنا وماء باردا وقال بعضهم: لا حاجة إلى التزام ذلك فإن أحوال تلك النشأة أمر آخر، وقيل * (يصهر) * بمعنى ينضج، وأنشد: تصهره الشمس ولا ينهصر وحينئذ لا كلام في نسبته إلى الجلود، والجملة حال من * (الحميم) * أو مستأنفة.
* (ولهم مقامع من حديد) *.
* (ولهم) * أي للكفرة، وكون الضمير للزبانية بعيد، واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكما بهم، وقيل للأجل،