تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٢٥
أي يعبد متجاوزا عبادة الله تعالى ما لا يضره إن لم يعبده وما لا ينفعه إذا عبده، وجوز أن يراد بالدعاء النداء أي ينادي لأجل تخليصه مما أصابه من الفتنة جمادا ليس من شأنه الضر والنفع، ويلوح بكون المراد جمادا كذلك كما في إرشاد العقل السليم تكرير كلمة ما * (ذلك) * أي الدعاء * (هو الضلال البعيد) * عن الحق والهدى مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالا عن الطريق.
* (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) *.
* (يدعو لمن ضره اقرب من نفعه) * استئناف يبين مآل دعائه وعبادته غير الله تعالى ويقرر كون ذلك ضلالا بعيدا من إزاحة ما عسى أن يتوهم من نفي الضرر عن معبوده بطريق المباشرة نفيه عنه بطريق التسبب أيضا فالدعاء هنا بمعنى القول كما في قول عنترة: يدعون عنترة الرماح كأنها * أشطان بئر في لبان الأدهم واللام داخلة في الجملة الواقعة مقولا له وهي لام الابتداء ومن مبتدأ و * (ضره أقرب) * مبتدأ وخبر والجملة صلة له، وقوله تعالى: * (لبئس المولى ولبئس العشير) * جواب قسم مقدر واللام فيه جوابية وجملة القسم وجوابه خبر * (من) * أي يقول الكافر يوم القيامة يرفع صوت وصراخ حين يرى تضرره بمعبوده ودخوله النار بسببه ولا يرى منه أثرا مما كان يتوقعه منه من النفع لمن ضره أقرب تحققا من نفعه: والله لبئس الذي يتخذ ناصرا ولبئس الذي يعاشر ويخالط فكيف بما هو ضرر محض عار عن النفع بالكلية، وفي هذا من المبالغة في تقبيح حال الصنم والإمعان في ذمه ما لا يخفى، وهو سر إيثار من على ما وإيراد صيغة التفضيل، وهذ الوجه من الإعراب اختاره السجاوندي والمعنى عليه مما لا إشكال فيه.
وقد ذهب إليه أيضا جار الله، وجوز أن يكون * (يدعو) * هنا إعادة ليدعو السابق تأكيد له وتمهيدا لما بعد من بيان سوء حال معبوده إثر معبوده إثر بيان سوء حال عبادته بقوله تعالى: * (ذلك هو الضلال البعيد) * (الحج: 12) كأنه قيل من جهته سبحانه بعد ذكر عبادة الكافر ما لا يضره ولا ينفعه يدعو ذلك ثم قيل لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفعيا والله لبئس المولى الخ، ولا تناقض عليه أيضا إذ الضر المنفي ما يكون بطريق المباشرة والمثبت ما يكون بطريق التسبب، وكذا النفع المنفي هو الواقعي والمثبت هو التوقعي، قيل ولهذا الإثبات عبر بمن فإن الضر والنفع من شأنهما أن يصدرا عن العقلاء، وفي إرشاد العقل السليم أن يراد كلمة من وصيغة التفضيل على تقدير أن يكون ذلك إخبارا من جهته سبحانه عن سوء حال معبود الكفرة للتهكم به. ولا مانع عندي أن يكون ذلك كما في التقدير الأول للمبالغة في قبيح حال الصنم والإمعان في ذمه.
واعترض ابن هشام على هذا الوجه بأن فيه دعوى خلاف الأصل مرتين إذ الأصل عدم التوكيد والأصل أن لا يفصل المؤكد عن توكيده ولا سيما في التوكيد اللفظي، وقال الأخفش: إن * (يدعو) * بمعنى يقول واللام للابتداء ومن موصول مبتدأ صلته الجملة بعده وخبره محذوف تقديره إله أو إلهي، والجملة محية بالقول. واعترض بأنه فاسد المعنى لأن هذا القول من الكافر إنما يكون في الدنيا وهو لا يعتقد فيها أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها. وأجيب بأن المراد إنكار قولهم بألوهية الأوثان إلا أن الله تعالى عبر عنها بما ذكر للتهكم. نعم الأولى أن يقدر الخبر مولى لأن قوله تعالى: * (لبئس المولى ولبئس العشير) * أدل عليه، ومع هذا لا يخفى بعد هذا الوجه، وقيل: * (يدعو) * مضمن معنى يزعم وهي ملحقة بأفعال القلوب لكون الزعم قولا مع اعتقاد. واللام ابتدائية معلقة للفعل ومن
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»