تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ١٠٧
والفاء للدلالة على أن ما قبلها موجب لما بعدها قالوا فيه دلالة على أن صفة الوحدانية يصح أن يكون طريقها السمع بجلاف إثبات الواجب فإن طريقه العقل لئلا يلزم الدور.
قال في شرح المقاصد: ان بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصدقهم لا يتوقف على الوحدانية فيجوز التمسك بالأدلة المسعية كإجماع الأنبياء عليهم السلام على الدعوة إلى التوحيد ونفي الشريك وكالنصوص القطعية من كتاب الله تعالى على ذلك، وما قيل إن التعدد يستلزم الإمكان لما عرفت من أدلة التوحيد وما لم تعرف أن الله تعالى واجب الوجود خارج عن جميع الممكنات لم يتأت إثبات البعثة والرسالة ليس بشيء لأن غاية استلزام الوجوب الوحدة لا استلزام معرفته معرفتها فضلا عن التوقف، وسبب الغلط عدم التفرقة بين ثبوت الشيء والعلم بثبوته انتهى.
وتفريع الاستفهام هنا صريح في ثبوت الوحدانية بما ذكر، وقول صاحب الكشف: إن الآية لا تصلح دليلا لذلك لأنه إنما يوحى إليه صلى الله عليه وسلم ذلك مبرهنا لا على قانون الخطابة فلعل نزولها كان مصحوبا بالبرهان العقلي ليس بشيء لظهور أن التفريع على نفس هذا الموحى، وكون نزوله مصحوبا بالبرهان العقلي والتفريع باعتباره نير ظاهر.
* (فإن تولوا فقل ءاذنتكم على سوآء وإن أدرىأقريب أم بعيد ما توعدون) *.
* (فإن تولوا) * عن الإسلام ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه * (فقل) * لهم * (ءاذنتكم) * أي اعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم، والإيذان إفعال من الاذن وأصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم وصيغ منه الأفعال، وكثيرا ما يتضمن معنى التحذير والإنذار وهو يتعدى لمفعولين الثاني منهما مقدر كما أشير إليه. وقوله تعالى: * (على سواء) * في موضع الحال من المفعول الأول أي كائنين على سواء في الاعلام بذلك لم أخص أحدا منكم دون أحد. وجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل والمفعول معا أي مستويا أنا وأنتم في المعاداة أو في العلم بما أعلمتكم به من وحدانية الله تعالى لقيام الأدلة عليها. وقيل ما أعلمهم صلى الله عليه وسلم به يجوز أن يكون ذلك وأن يكون وقوع الحرب في البين واستوائهم في العلم بذلك جاء من أعلامهم به وهم يعلمون أنه عليه الصلاة والسلام الصادق الأمين وإن كانوا يجحدون بعض ما يخبر به عنادا فتدبر.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أي إيذانا على سواء. وأن يكون في موضع الخبر لأن مقدرة أي أعلمتكم أني على سواء أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير وهذا خلاف المتبادر جدا.
وفي الكشاف أن قوله تعالى: * (آذنتكم) * الخ استعارة تمثثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه وآذانهم جميعا بذلك وهو من الحسن بمكان * (وإن أدرى) * أي ما أدرى * (أقريب أم بعيد ما توعدون) * من غلبة المسلمين عليكم وظهور الدين أو الحشر مع كونه آتيا لا محالة، والجملة في موضع نصب بأدري. ولم يجىء التركيب أقريب ما توعدون أم بعيد لرعاية الفواصل.
* (إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون) *.
* (إنه يعلم الجهر من القول) * أي ما تجهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات التي من جملتها ما نطق بمجيء الموعود * (ويعلم ما تكتمون) * من الأحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيرا وقطميرا.
* (وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين) *.
* (وإن أدرى لعله فتنة لكم) * أي ما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»