توكله على الله تعالى، ولذا قال عليه السلام حين قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة؟ أما إليك فلا * (ففهمناها سليمان) * فيه إشارة إلى أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا تعلق له بالصغر والكبر فكم من صغير أفضل من كبير بكثير * (وكلا آتينا حكما) * قيل معرفة بأحكم الربيوبية * (وعلما) * معرفة بأحكام العبودية * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن) * (الأنبياء: 79) قيل كان عليه السلام يخلوفي الكهوف لذكره تعالى وتسبيحه فيشاركه في ذلك الجبال ويسبحن معه، وذكر بعضهم أن الجبال لكونها خالية عن صنع الخلق حالية بأنوار قدرة الحق يحب العاشقون الخلوة فيها، ولذا نحنث صلى الله عليه وسلم في غار حاراء. واختار كثير من الصالحين الانقطاع للعبادة فيها * (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم: الراحمين) * (الأنبياء: 83) ذكر أنه عليه السلام قال ذلك حين قصدت دودة قلبه ودودة لسانه فخاف أن يشغل موضع فكره وموضع ذكره، وقال جعفر: كان ذلك منه عليه السلام استدعاء للجواب من الحق سبحانه ليسكن إليه ولم يكن شكوى وكيف يشكو المحب حبيبه وكل ما فعل المحبوب محبوب وقد حفظ عليه السلام آداب الخطاب * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن قدر عليهه) * قيل ان ذلك رشحة من دن خمر الدلال، وذكروا أن مقام الدل دون مقام العبودية المحضة لعدم فناء الإرادة فيه ولذا نادى عليه السلام * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) * (الأنبياء: 87) أي حيث اختلج في سرى أن أريد غيره ما أردت * (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرنيب فردا وأنت خير الوارثين) * (الأنبياء: 89) قيل إنه عليه السلام أراد ولدا يصلح ون يكون محلا لا فشاء الأسرار الإلهية إليه فإن العارف متى كان فردا غير واجد من يفشي إليه السر ضاق ذرعه * (ويدعوننا رغبا ورهبا) * قيل أي رغبة فينا ورهبة عما سوانا أو رغبة في لقائنا ورهبة من الاحتجاب عنا * (وكانوا لنا خاشعين) * (الأنبياء: 90).
قال أبو يزيد: الخشوع خمود القلب عن الدعاوي، وقيل الفناء تحت أذيال العظمة ورداء الكبرياء * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق وهو صلى الله عليه وسلم رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة ويشترك الجميع في أنه عليه الصلاة والسلام سبب لوجودهم بل قالوا: إن العالم كله مخلوق من نوره صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بذذلك الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره في قوله وقد تقدم غيره مرة: طه النبي تكونت من نوره * كل الخليقة ثم لو ترك القطا وأشار بقوله لو ترك القطا إلى أن الجميع من نوره عليه الصلاة والسلام وجه الانقسام إلى المؤمن والكافر بعد تكونه فتأمل، وهذا ونسأل الله تعالى أن يجعل حظنا من رحمته الحظ الوافر وأن ييسر لنا أمور الدنيا والآخرة بلطفه المتواتر.
سورة الحج أخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبيري رضي الله تعالى عنهم أنها نزلت بالمدينة وهو قول الضحاك وقيل كلها مكية، وأخرج أبو جعفر النحاس عن مجاهد عن ابن عباس أنهما مكية سوى ثلاث آيات * (هذان خصمان) * إلى تمام الآيات الثلاث فإنها نزلت بالمدينة، وفي رواية عن ابن عباس إلا أربع آيات * (هذان خصمان) * إلى قوله تعالى: * (عذاب الحريق) * (الحج: 19 - 22).