ابن حصين قال: لما نزلت * (يا أيها الناس - إلى - ولكن عذاب الله شديد) * (الحج: 1، 2) كان صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم. قال: ذلك يوم يقول الله تعالى لآدم عليه السلام ابعث بعث النار قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة فانشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا وأبشروا فانها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم في الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال: ولا أدري قال الثلثين أم لا، وحديث البعث مذكور في الصحيحين وغيرهما لكن بلفظ آخر وفيه كالمذكور ما يؤيد كون هذه الزلزلة في يوم القيامة وهو المروى عن الحسن.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن علقمة. والشعبي وعبيد بن عمير أنها تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وإضافتها إلى الساعة على هذا لكونها من أماراتها، وقد وردت آثار كثيرة في حدوث زلزلة عظيمة قبل قيام الساعة هي من أشراطها إلا أن في كون تلك الزلزلة هي المراد هنا نظرا إذ لا يناسب ذلك كون الجملة تعليلا لموجب أمر جميع الناس بالتقوى، ثم أنها على هذا القول على معناها الحقيقي وهو حركة الأرض العنيفة، وتحدث هذه الحركة بتحريك ملك بناء على ما روي أن في الأرض عروقا تنتهي إلى جبل قاف وهي بيد ملك هناك فإذا أراد الله عز وجل أمرا أمره أن يحرك عرقا فإذا حركه زلزلت الأرض.
وعند الفلاسفة أن البحار إذا احتبس في الأرض وغلظ بحيث لا ينفذ في مجاريها لشدة استحصافها وتكاثفها اجتمع طالبا للخروج ولم يمكنه فزلزلت الأرض، وربما اشتدت الزلزلة فخسفت الأرض فيخرج نار لشدة الحركة الموجبة لاشتعال البخار والدخان لا سيما إذا امتزجا امتزاجا مقربا إلى الدهنية، وربما قويت المادة على شق الأرض فتحدث أصوات هائلة، وربما حدثت الزلزلة من تساقط عوالي وهدات في باطن الأرض فيتموج بها الهواء المحتقن فتتزلزل به الأرض، وقليلا ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لعض الأسباب.
وما يستأنس به للقول بأن سببها احتباس البخار الغليظ وطلبه للخروج وعدم تيسره له كثرة الزلازل في الأرض الصلبة وشدتها بالنسبة إلى الأرض الرخوة، ولا يخفي أنه إذا صح حديث في بيان سبب الزلة لا ينبغي العدول عنه وإلا فلا بأس بالقول برأي الفلاسفة في ذلك وهو لا ينافي القول بالفاعل المختار كما ظن بعضهم، وهي على القول بأنها يوم القيامة قال بعضهم: على حقيقتها أيضا، وقال آخرون: هي مجاز عن الأهوال والشدائد التي تكون في ذلك اليوم، وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصره عن إدراك كنهها والعبارة ضيقة لا تحيط بها إلا على وجه الإبهام. وفي البحر أن إطلاق الشيء عليها مع أنه لم توجد بعد يدل على أنه يطلق على المعدوم، ومن منع ذلك قال: إن اطلاقه عليها لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود لا محالة.
* (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمآ أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولاكن عذاب الله شديد) *.
* (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) * الظاهر أن الضمير المنصوب في * (ترونها) * للزلزلة لأنها المحدث عنها، وقيل هو للساعة وهو كما ترى، و * (يوم) * منتصب بتذهل قدم عليه للاهتمام، وقيل بعظيم، وقيل