العجز فأخذ العجوز ما أخذها فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى ينشئهن خلقا غير خلقهن ثم قال: تحشرون حفاة عراة غلفا فقالت: حاش لله تعالى من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى إن الله تعالى قال: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * ومثل هذا المعنى حاصل على ما جوزه ابن الحاجب من كون * (كما بدأنا) * في موضع الحال من ضمير * (نعيده) * أي نعيد أول خلق مماثلا للذي بدأناه، ولا تغفل عما يقتضيه التشبيه من مغايرة الطرفين، وأيا ما كان فالمراد الأخبار بالبعث وليست ما في شيء من الأوجه خاصة بالسماء إذ ليس المعنى عليه ولا اللفظ يساعده.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى الآية تهلك كل شيء كما كان أول مرة ويحتاج ذلك إلى تدبر فتدبر.
* (وعدا) * مصدر منصوب بفعله المحذوف تأكيدا له، والجملة مؤكدة لما قبلها أو منصوب بنعيد لأنه عدة بالإعادة وإلى هذا ذهب الزجاج، واستجود الأول الطبرسي بأن القراء يقفون على * (نعيده) * * (علينا) * في موضع الصفة لوعدا أي وعدا لازما علنيا، والمراد لزم انجازه من غير حاجة إلى تكلف الاستخدام * (إنا كنا فاعلين) * ذلك بالفعل لا محالة، والأفعال المستقبلة التي علم الله تعالى وقوعها كالماضية في التحقق ولذا عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز أو قادرين على أن نفعل ذلك واختاره الزمخشري، وقيل عليه: إنه خلاف الظاهر.
* (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادى الصالحون) *.
* (ولقد كتبنا في الزبور) * الظاهر أنه زبور داود عليه السلام وروى ذلك عن الشعبي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه الكتب، والذكر في قوله تعالى: * (من بعد الذكر) * التوراة. وروى تفسيره بذلك عن الضحاك أيضا. وقال في " الزبور ": الكتب من بعد التوراة. وأخرج عن ابن جبير أن الذكر التوراة والزبور والقرآن. وأخرج عن ابن زيد أن الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء عليهم السلام والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك وهو اللوح المحفوظ كما في بعض الآثار، واختار تفسيره بذلك الزجاج وإطلاق الذكر عليه مجاز. وقد وقع في حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: " كان الله تعالى ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء ثم خلق الله السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء " وقيل الذكر العلم وهو المراد بأم الكتاب، وأصل الزبور كل كتاب غليظ الكتابة من زبرت الكتاب أزبر بفتح الموحدة وضمها كما في المحكم إذا كتبته كتابة غليظة وخص في المشهور بالكتاب المنزل على داود عليه السلام، وقال بعضهم: هو اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأحكام الشرعية ولهذا يقال للمنزل على داود عليه السلام إذ لا يتضمن شيئا من الأحكام الشرعية.
والظاهر أنه اسم عربي بمعنى المزبور، ولذا جوز تعلق * (من بعد) * به كما جوز تعلقه بكتبنا، وقال حمزة: هو اسم سرياني، وأيا كان فإذا أريد منه الكتب كان اللام فيه للجنس أي كتبنا في جنس الزبور.
* (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وغيرهما عن ابن عباس أن المراد بالأرض أرض الجنة، قال الإمام: ويؤيده قوله تعالى: * (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * (الزمر: 74) وإنها الأرض التي يختص بها الصالحون لأنها لهم خلقت، وغيرهم إذا حصلوا فيها فعلى وجه التبع وأن