تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٥١
إلا أنه يلتزم الاستخدام في الآية بأن يراد مطلق الجنات فيما بعد، وفيه مع كونه خلاف الظاهر ما لا يخفي.
وقيل المراد من جنات الفردوس جميع الجنات والإضافة إلى الفردوس التي هي أعلاها باعتبار استمالها عليها ويكفي في الإضافة هذه الملابسة، ولعلك تختار أن الفردوس في الآثار بمعنى وفي الآية بمعنى آخر وتختار من معانيه ما تكلف في الإضافة فيه كالشجر الملتف ونحوه، وظاهر بيت حسان وبيت أمية شاهد على أن للفردوس معنى غير ما جاء في الآثار فليتدبر. واعلم أنه استشكل أيضا ما جاء من أمر السائل بسؤال الفردوس لنفسه مع كونه أعلى الجنة بخبر أحمد عن أبي هريرة مرفوعا " إذا صليتم علي فاسألوا الله تعالى لي الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو " واجيب بأنه لا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض وتكون الوسيلة عبارة عن أعلى درجات الفردوس التي هي أعلى درجات الجنان، ونظير ذلك ما قيل في حد الإعجاز فتذكر، وقيل المراد من الدرجة في حديث الوسيلة درجة المكانة لا الماكن بخلافها فيما تقدم فلا اشكال، والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال من قوله تعالى: * (نزلا) * أو على أنه بيان كما في سعيا لك وخبر كان في الوجهين * (نزلا) * أو على أنه الخبر و * (نزلا) * حال من * (جنات) * فإن جعل بمعنى ما يهيأ للنازل فالمعنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس نزلا أو جعلت نفس الجنات نزلا مبالغة في الإكرام وفيه إيذان بأنها عندما أعد الله تعالى لهم على لسان النبوة من قوله تعالى: * (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) * بنزلة النزل بالنسبة إلى الضيافة، وإن جعلت بمعنى المنزل فالمعنى ظاهر * (خالدين فيها) * نصب على الحالية وهي مقدرة عند البعض وحقق أنها حال مقارنة والمعتبر في المقارنة زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها مقارنون له إذ لا آخر له فتأمل ولا تغفل.
* (خ‍الدين فيها لا يبغون عنها حولا) * * (لا يبغون عنها حولا) * هو - كما قال ابن عيسى وغيره - مصدر كالعوج والصغر والعود في قوله: عادني حبها عودا أي لا يطلبون عنها تحولا إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم وأرفع منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم وتطمح عنه أبصارهم وان تفاوتت درجاتهم، والحاصل أن المراد من عدم طلب التحول عنها كونها أطيب المنازل وأعلاها، وقال ابن عطية: كأنه اسم جمع وكأن واحده حوالة ولا يخفى بعده، وقال الزجاج عن قوم: هو بمعنى الحيلة في التنقل وهو ضعيف متكلف، وجوز أن يراد نفي التحول والانتقال على أن يكون تأكيدا للخلود لأن عدم طلب الانتقال مستلزم للخلود فيؤكده أو لأن الكلام على حد. ولا ترى الضب بها ينجحر أي لا يتحولون عنها فيبغوه، وقيل في وجه التأكيد: انهم إذا لم يريدوا الانتقاللا ينتقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها فلم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما قيل، والجملة حال من صاحب خالدين أو من ضميره فيه فتكو حالا متداخلة، وفيها إيذان بأن الخلود لا يورثهم مللا.
* (قل لو كان البحر مدادا لكلم‍ات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلم‍ات ربى ولو جئنا بمثله مددا) * * (قل لو كان البحر) * أي جنس البحر * (مدادا) * هو في الأصل اسم لكل ما يمد به الشيء واختص في العرف لما تمد به الدواة من الحبر * (لكلمات ربي) * أي معدا لكتابة كلماته تعالى، والمراد بها كما روي عن قتادة معلوماته سبحانه وحكمته عز وجل * (لنفد البحر) * مع كثرته ولم يبق منه شيء لتناهبة * (قبل أن تنفد كلمات ربي) * لعدم تناهيها * (ولو جئنا بمثله مددا) * عونا وزيادة لأن مجموع
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»