فقال: منهم أهل حروراء يعني الخوارج، واستشكل بأن قوله تعالى: * (أولئك الذين كفروا) * (الكهف: 105) الخ يأباه لأنهم لا ينكرون البعث وهم غير كفرة، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون كرم الله تعالى وجهه معتقدا لكفرهم، واستحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية، والمذكور في " مجمع البيان " أن العياشي روى بسنده أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه عن أهل هذه الآية فقال: أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد، وهذا يؤيد الجواب الأول، وأخبر أن المراد ما يعم سائر الكفرة، ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنه جواب للسؤال كأنه قيل من هم؟ فقيل الذين الخ، وجوز أن يكون في محل جر عطف بيان على * (الأخسرين) *، وجوز أن يكون نعتا أو بدلا وأن يكون منصوبا على الذم على أن الجواب ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: * (أولئك الذين) * الخ.
وتعقب بأنه يأبى ذلك أن صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال وضلال السعي كما يستدعيه مقام الجواب والتفريع الأول وإن دل على هبوطها لكنه ساكت عن إنباء بما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الربح واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريغ الثاني مما يقطع ذلك الاحتمال رأسا إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة والجواب عن ذلك لا يتم إلا بتكلف فتأمل * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي أي يعتقدون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها، والجملة حال من فاعل * (ضل) * أي ضل سعيهم المذكور والحال أنهم يحسنون في ذلك وينتفعون بآثاره أو من المضاف إليه في * (سعيهم) * لكونه في محل الرفع أي بطل سعيهم والحال أنهم الخ، والفرق بين الوجهين أن المقارن لحال حسبانهم المذكور في الأول ضلال سعيهم، وفي الثاني نفس سعيهم قيل، والأول أدخل في بيان خطئهم، ولا يخفى ما بين يحسبون ويحسنون من تجنيس التصحيف ومثل ذلك قول البحتري: ولم يكن المغتر بالله إذ سرى * ليعجز والمعتز بالله طالبه * (أولائك الذين كفروا باايات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * * (أولائك) * كلام مستأنف من جنابه تعالى مسوق لتكميل تعريف الأخسرين وتبيين خسرانهم وضلال سعيهم وتعيينهم بحيث ينطبق التعريف على المخاطبين غير داخل تحت الأمر كما قيل أي أولئك المنعوتون بما ذكر من ضلال السعي والحسبان المذكور * (الذين كفروا بأيات ربهم) * بدلائله سبحانه الداعية إلى التوحيد الشاملة للسمعية والعقلية، وقيل: بالقرآن والأول أولى، والتعرض لعنوان الربوبية لزيادة تقبيح حالهم في الكفر المذكور * (ولقائه) * هو حقيقة في مقابلة الشيء ومصادفته وليس بمراد، والأكثرون على أنه كناية عن البعث والحشر وما يتبع ذلك من أمور الآخرة أي لم يؤمنوا بذلك على ما هو عليه، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي لقاء عذابه تعالى وليس بذلك * (فحبطت) * بكسر الباء، وقرأ ابن عباس. وأبو السمال بفتحها، والفاء للتفريغ أي فحبطت لذلك * (أعمالهم) * المعهودة حبوطا كليا * (فلا نقيم لهم) * أي لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال * (يوم القيامة وزنا) * أي فنزدري بهم ونحتقرهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا لأن مدار الاعتبار