والطبائع والأرض إشارة إلى البدن وهكذا فعلوا في باقي ألفاظ القصة وراموا التطبيق بين ما في الآفاق وما في الأنفس ولعمري لقد تكلفوا غاية التكلف ولم يأتوا بما يشرح الخاطر ويسر الناظر، ولعل الأولى أن يقال: الإشارة في القصة إلى إرشاد الملوك لاستكشاف أحوال رعاياهم وتأديب مسيئهم والإحسان إلى محسنهم وإعانة ضعفائهم ودفع الضرر عنهم وعدم الطمع بما في أيديهم وإن سمحب به أنفسهم لمصلحتهم. وقد يقال: فيها إشارة إلى اعتبار الأسباب.
وقال الأشاعرة: الأسباب في الحقيقة ملغاة وعلى هذا قول شيخهم يجوز لأعمى الصين أن يرى بقعة أندلس ومذهب السلف أنها معتبرة وإن لم يتوقف عليها فعل الله تعالى عقلا وتحقيق هذا المطلب في محله، وقوله تعالى: * (الذين ضل يعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (الكهف: 104) إشارة إلى المرائين على ما في أسرار القرآن ومنهم الذين يجلسون في الخانقاه لأجل نظر الخلق وصرف وجوه الناس إليهم واصطياد أهل الدنيا بشباك حيلهم وذكر من خسرانهم في الدنيا افتضاحهم فيها وإظهار الله تعالى حقيقة حالهم للناس. ومهما تكن عند امرىء من خليقة * وإن خالها تخفي على الناس تعلم وأما خسرانهم في الآخرة فالطرد عن الحضرة والعذاب الأليم. وقوله تعالى: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما الهكم إله واحد) * (فصلت: 6) إشارة إلى جهة مشاركته صلى الله عليه وسلم للناس وجهة امتيازه ولولا تلك المشاركة ما حصلت الإفاضة ولولا ذلك الامتياز ما حصلت الاستفاضة. وقد أشار مولانا جلال الدين القونوي قدس سره إلى ذلك بقوله: كفت بيغمبركه أصحابي نجوم ره روانرا شمع وشيطان رارجوم هركسي راكر نظر بواداي زدور * كو كرفتي زافتاب جرح نور كي ستاره حاجتي جوادي ذليل * كي بدى برنوز خورشيدا ودليل ماه ميكويدبابر وخاك في * من بشر من مثلكم يوحى إلى جون شماتاريك بودم درنهاد * وحى خورشيددم جنين نورى بداد ظلمتي دارم به نسبت باشموس * نور دارم بهر ظلمات نفوس زان ضعيفم تاتوبابي أورى * كه ني مردى افتاب انوري هذا ونسأل الله تعالى بحرمة نبيه المكرم المعظم صلى الله عليه وسلم أن يوفقنا لما يرضيه ويوفقنا على أسرار كتابه الكريم ومعانيه.
سورة مريم المشهور تسميتها بذلك ورويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الطبراني. وأبو نعيم. والديلمي من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده قال: أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت: ولدت لي الليلة جارية فقال: والليلة أنزلت على سورة مريم، وجاء فيما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تسميتها بسورة * (كهيعص) * وهي مكية كما روي عن عائشة. وابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، وقال مقاتل: هي كذلك إلا آية السجدة فإنها مدنية نزلت بعد مهاجرة