تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٤٠
سبحانه مكينا قادرا من الملك والمال وسائر الأسباب * (خير) * أي مما تريدون أن تبذلوه إلى من الخرج فلا حاجة بي إليه * (فأعينوني بقوة) * أي بما يتقوى به على المقصود من الآلات كزبر الحديد أو من الناس أو الأعم منهما، والفاء لتفريع الأمر بالإعانة على خيرية ما مكن الله تعالى فيه من مالهم أو على عدم قبول خرجهم * (أجعل) * جواب الأمر * (بينكم وبينهم) * تقديم إضافة الظرف إلى ضمير المخاطبين على إضافته إلى ضمير يأجوج ومأجوج لإظهار كمال العناية بمصالحهم كما راعوه في قولهم * (بيننا وبينهم) * * (ردما) * أي حاجزا حصينا وحجابا متينا وهو أكبر من السد وأوثق يقال: ثوب مردم أي فيه رقاع فوق رقاع، ويقال: سحاب مردم أي متكاثف بعضه فوق بعض، وذكر أن أصل معناه سد الثلمة بالحجارة ونحوها، وقيل: سد الخلل مطلقا، ومنه قول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم ثم أطلق على ما ذكر، وقيل: هو والسد بمعنى، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هو كاشد الحجاب وعليه يكون قد وعدهم بالإسعاف بمرامهم فوق ما يرجونه وهو اللائق بشأن الملوك.
* (ءاتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتونىأفرغ عليه قطرا) * * (ءاتوني زبر الحديد) * جمع زبرة كغرف في غرفة وهي القطعة العظيمة، وأصل الزبر الاجتماع ومنه زبرت الكتاب جمعت حروفه وزبرة الأسد لما اجتمع على كاهله من الشعر، وأخرج الطشتس عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق ساله عن * (زبر الحديد) * فقال: قطعة وأنشد قول كعب بن مالك: تلظى عليهم حين شد حميها * بزبر الحديد والحجارة شاجر وطلب إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأن المراد من الايتاء المأمور به الايتاء بالثمن أو مجرد لمناولة والايطال وإن كان ما آتوه له لا إعطاء ما هو لهم فهو معونة مطلوبة، وعلى تسليم كون الايتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة يقال: إن إعطاء الآلة للعمل لا يلزمه تملكها ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا، ويبنىء عن أن المراد ليس الإعطاء قراءة أبي بكر عن عاصم * (ردما ائتوني) * بكسر التنوين ووصل الهمزة من أتاه بكذا إذ جاء به له وعلى هذه القراءة نصب * (زبرا) * بنزع الخافض أي جيئوني بزبر الحديد وتخصيص زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد ووجودها أعز.
وقرأ الحسن * (زبر) * بضم الباء كالزاي * (حتى إذا ساوى بين الصدفين) * في الكلام حذف أي فأتوه إياها فأخذ يبني شيئا فشيئا حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويا لهما في العلو فبين مفعول ساوى وفاعله ضمير ذي القرنين، وقيل: الفاعل ضمير السد المفهوم من الكلام أي فاتوه إياها فأخذ يسد بها حتى إذا ساوى السد الفضاء الذي بين الصدفين ويفهم من ذلك مساواة السد في العلو للجبلين، والصدف كما أشرنا إليه جانب الجبل وأصله على ماقيل: الميل، ونقل في " الكشف " أنه لا يقال للمنفرد صدف حتى يصادفه الآخر ثم قال: فهو من الأسماء المتضايفة كالزوج وأمثاله، وقال أبو عبيدة: هو كل بناء عظيم مرتفع ولا يخفى أنه ليس بالمراد هنا.
وزعم بعضهم أن المراد به هنا الجبل وهو خلاف ما عليه الجمهور، وقرأ قتادة سوى من التسوية.
وقرأ ابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم * (سووى) * بالبناء للمجهول، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وابن عامر. والزهري. ومجاهد. والحسن * (الصدفين) * بضم الصاد والدار وهي لغة حمير كما أن فتحهما في قراءة
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»