تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٥٠
أمره وكماله. وقد جاء في الآثار أنه يغرس للمؤمن بكل تسبيحة يسبحها شجرة في الجنة، وقيل: التعبير بما ذكر أظهر في تحقق الأمر من التعبير بالاعتاد ألا ترى أنه قد تهيأ دار لشخص ولا يسكنها ولا يخلو عن لطف فافهم.
* (جنات الفردوس) * أخرج ابن المنذر. وإن أبي حاتم عن مجاهد أن الفردوس هو البستان بالرومية، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى أنه الكرم بالنبطية وأصله فرداسا، وأخرج ابن أبي شيبة وغيره عن عبد الله بن الحرث أن ابن عباس سأل كعبا عن الفردوس فقال: جنة الأعناب بالسريانية، وقال عكرمة: هي الجنة بالحبشية، وقال القفال: هي الجنة الملتفة بالأشجار، وحكى الزجاج أنها الأودية التي تنبت ضروبا من النبات، وقال المبرد: هي فيما سمعت من العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب. ونص الفراء على أنه عربي أيضا ومعناه البستان الذي فيه كرم وهو مما يذكر ويؤنث، وزعم بعضهم أنها لم تسمع في كلام العرب إلا في قول حسان: وإن ثواب الله كل موحد * جنان من الفردوس فيها يخلد وهو لا يصح فقد قال أمية بن أبي الصلت: كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة * فيها الفراديس ثم الفوم والبصل وجاء في شعر جرير في أبيات يمدح بها خالد بن عبد الله القسرى حيث قال: وانا لنرجو أن نرافق رفقة * يكونون في الفردوس أول وارد ومما سمعه أهل مكة قبل إسلام سعد قول هاتف: أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف والحق أن ذكرها في شعر الإسلاميين كثير وفي شعر الجاهليين قليل، وأخرج البخاري. ومسلم. وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة " وعن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، وروى عن كعب أنه ليس في الجنة أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وصح أن أهل الفردوس ليسمعون اطيط العرش.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري مرفوعا الفردوس مقصورة الرحمن وكل ذلك لا ينافي كون الفردوس في اللغة البستان كما توهم إذ لا مانع من أن يكون أعلى الجنة بستانا لكنه لكونه في غاية السعة أطلق على كل قطعة منه جنة فقيل جنات الفردوس كذا قيل. واستشكل بأن الآية حينئذ تفيد أن كل المؤمنين في الفردوس المشتمل على جنات وهذا لا يصح على القول بأن الفردوس أعلى الدرجات إذ لا شبهة في تفاوت مراتبهم. وكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات طائفة مخصوصة من مطلق المؤمنين مع كونه في مقابلة الكافرين ليس بشيء. وقال أبو حيان: الظاهر أن معنى جنات الفردوس بساتين حول الفردوس ولذا أضيفت الجنات إلى الفردوس. وأنت تعلم أن هذا لا يشفي الغليل لما أن الآية حينئذ تفيد أن جميع المؤمنين في جنات حول الفردوس ومن المعلوم أن منهم من هو في الفردوس. وقيل: الأمر كما ذكر أبو حيان
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»