يعتضد به، وتعلق الجار والمجرور على الوجه الثاني بالفعل ظاهر، وأما على الوجه الأول فإن لوحظ أن عجزهم وقلتهم سيقع بعده لا أنه واقع وقت دعائه صح تعلقه بالفعل أيضا وإن لم يكن كذلك تعلق بغير ذلك.
* (وكانت امرأتي عاقرا) * أي لا تلد من حين شبابها إلى شيبها، فالعقر بالفتح والضم والعقم، ويقال عاقر للذكر والأنثى * (فهب لي من لدنك) * كلا الجارين متعلق بهب واللام صلة له ومن لابتداء الغاية مجازا، وتقديم الأول لكون مدلوله أهم عنده، وجوز تعلق الثاني بمحذوف وقع حالا من المفعول الآتي. وتقدم الكلام في لدن، والمراد أعطني من محض فضلك الواسع وقدرتك الباهرة بطريق الاختراع لا بواسطة الأسباب العادية، وقيل المراد أعطني من فضلك كيف شئت * (وليا) * أي ولدا من صلبي وهو الظاهر. ويؤيده قوله تعالى في سورة آل عمران حكاية عنه عليه السلام * (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) * (آل عمران: 38) وقيل إنه عليه السلام طلب من يقوم مقامه ويرثه ولدا كان أو غيره، وقيل: إنه عليه السلام أيس أن يولد له من امرأته فطلب من يرثه ويقوم مقامه من سائر الناس وكلا القولين لا يعول عليه. وزعم الزمخشري أن * (من لدنك) * تأكيد لكونه وليا مرضيا ولا يخفى ما فيه. وتأخير المفعول عن الجارين لإظهار كمال الاعتناء بكون الهبة له على ذلك الوجه البديع مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوع طول بما بعده من الوصف فتأخيرها عن الكل وتوسيطهما بين الموصوف والصفة مما لا يليق بجزالة النظم الكريم، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن ما ذكره عليه السلام من كبر السن وضعف القوى وعقر المرأة موجب لانقطاع رجائه عليه السلام عن حصول الولد بتوسط الأسباب العادية واستيهابه على الوجه الخارق للعادة.
وقيل لأن ذلك موجب لانقطاع رجائه عن حصول الولد منها وهي في تلك الحال واستيهابه على الوجه الذي يشاؤه الله تعالى، وهو مبني على القول الثاني في المراد من * (هب لي من لدنك وليا) * والأول أولى.
ولا يقدح فيما ذكر أن يكون هناك داع آخر إلى الإقبال على الدعاء من مشاهدته عليه السلام للخوارق الظاهرة في حق مريم كما يعرب عنه قوله تعالى: * (هنالك دعا زكريا ربه) * (آل عمران: 38) الآية. وعدم ذكره ههنا للتعويل على ما ذكر هنالك كما أن عدم ذكر مقدمة الدعاء هنالك للاكتفاء بذكرها ههنا، والاكتفاء بما ذكر في موطن عما ترك في موطن آخر من السنن التنزيلية [بم وقوله:
* (يرثنى ويرث من ءال يعقوب واجعله رب رضيا) * * (يرثني ويرث من ءال يعقوب) * صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات، ويقال: ورثه وورث منه لغتان كما قيل، وقيل من للتبعيض لا للتعدية، وآل الرجل خاصته الذين يؤل إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين، ويعقوب على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم فإن زكريا من ولد هرون وهو من ولدي لاوي بن يعقوب وكان متزوجا باخت مريم بنت عمران وهي من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وهو من ولد يهوذ بن يعقوب أيضا. وقال الكلبي: ومقاتل: هو يعقوب بن ماثان وأخوه عمران بن ماثان أبو مريم. وقيل: هو أخو زكريا عليه السلام والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل.
وقال الكلبي: كان بنو ماثان رؤس بني إسرائيل وملوكهم وكان زكريا عليه السلام رئيس الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولده الحبورة ويرث من بني ماثان ملكهم فتكون الوراثة مختلفة في المضعين وأيد ذلك بعدم اختيار العطف على الضمير المنصوب والاكتفاء بيرث الأول، وقيل الوراثة الأولى وراثة التبوة والثانية وراثة الملك فتكون