في أن العلم أجل الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال ومبدأ الأفعال وبه تنال المراتب العلية والسعادة الأبدية، ولقد ظهر مع حيازته لجميع علوم الأولين والآخرين على يد من لم يمارس شيئا من العلوم ولم يدارس أحدا من أهلها أصلا فأي معجزة تراد بعد وروده، وأية آية تطلب بعد وفوده، فالمراد بالبينة القرآن الكريم، والمراد بالصحف الأولى التوراة والإنجيل وسائل الكتب السماوية وبما فيها العقائد الحقة وأصول الأحكام التي اجمعت عليها كافة الرسل عليهم السلام، ومعنى كونه بينة لذلك كونه شاهدا بحقيته، وفي إيراده بهذا العنوان ما لا يخفى من التنويه بشأنه والإنارة لبرهانه حيث أشار إلى امتيازه وغناه عما يشهد بحقية ما فيه بإعجازه. وإسناد الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتيا به للتنبيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبينة، والهمزة لإنكار الوقوع والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: ألم يأتهم سائر الآيات ولم يأتهم خاصة بينة ما في الصحف الأول تقريرا لإتيانه وإيذانا بأنه من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكار أصلا: وإن اجترؤا على إنكار سائر الآيات مكابرة وعنادا، وتفسير الآية بما ذكر هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل.
وزعم الإمام. والطبرسي أن المعنى أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية بقولهم * (لولا يأتينا بآية) * كحال أولئك الهالكين اه. وهو بمعزل عن القبول كما لا يخفى على ذوى العقول. وقرأ أكثر السبعة. وأبو بحرية وابن محيصن. وطلحة. وابن أبي ليلى. وابن مناذر. وخلف. وأبو عبيد. وابن سعدان. وابن عيسى. وابن جبير الأنطاكي * (يأتهم) * بالياء التحتانية لمجاز تأنيث الآية والفصل.
وقرأت فرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو * (بينة) * بالتنوين على أن * (ما) * في القرآن من الناسخ والفضل مما لم يكن في غيره من الكتب وهو كما ترى. وقرأت فرقة بنصب * (بينة) * والتنوين على أنه حال، و * (ما) * فاعل. وقرأت فرقة منهم ابن عباس " الصحف " بإسكان الحاء للتخفيف، وقوله تعالى:
* (ولو أنآ أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولاأرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك من قبل أن نذل ونخزى) * * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب) * إلى آخر الآية جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون القرآن آية بينة لا يمكن إنكارها ببيان أنهم يعترفون بها يوم القيامة، والمعنى ولو أنا أهلكناهم في الدنيا بعذاب مستأصل * (من قبله) * متعلق بأهلكنا أو بمحذوف هو صفة لعذاب أي بعذاب كائن من قبله، والضمير للبينة والتذكير باعتبار أنها برهان ودليل أو للإتيان المفهوم من الفعل أي من قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم * (لقالوا) * أي يوم القيامة * (ربنا لولا أرسلت) * في الدنيا * (إلينا رسولا) * مع آيات * (فنتبع ءاياتك) * التي جاءنا بها * (من قبل أن نذل) * بالعذاب في الدنيا * (ونخزى) * بدخول النار اليوم، وقال أبو حيان: الذل والخزي كلاهما بعذاب الآخرة. ونقل تفسير الذل بالهوان والخزي بالافتضاح والمراد أنا لو أهلكناهم قبل ذلك لقالوا ولكنا لم نهلكهم قبله فانقطعت معذرتهم فعند ذلك * (قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء) * (الملك: 9).
وقرأ ابن عباس. ومحمد بن الحنفية. وزيد بن علي. والحسن في رواية عباد. والعمري. وداود