بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدى وقد عجزت عنه. وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليه السلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه. ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين القائها في الأرض والقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقيل: كانت العقدة في لسانه عليه السلام خلقة. وقيل: إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد.
واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى: * (قد أوتيت سؤالك يا موسى) * (طه: 36) من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى: * (هو أفصح مني) * (القصص: 34) وقوله سبحانه * (ولا يكاد يبين) * (الزخرف: 52).
وبما روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله عنه رتة وحبسة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إنه ورثها من عمه موسى عليه السلام. وأجاب عن الأول بأنه عليه السلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الافهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله: دمن لساني) * ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل * (من) * تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه. وجعل قوله تعالى: * (يفقهوا قولي) * جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤاله عليه السلام. واعترض على ذلك بأن قوله تعالى: * (هو أفصح مني) * قال عليه السلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليه السلام كان فصيحا غايته إن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله لسانا. ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا يقال: لله تعالى فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الالثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى: * (ولا يكاد يبين) * (الزخرف: 52) معناه لا يأتي ببيان وحجة، وقد قال ذلك اللعين تمويها ليصرف الوجوه عنه عليه السلام، ولو كان المراد نفي البيان وافهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلا ولم يقل به أحد، وبانا لا نسلم صحة الخبر، وبأن تنكير * (عقدة) * يجوز أن يكون لقتلها في نفسها. ومن يجوز تعلقها باحلل كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقا بشيء ومتصلا به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضا باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه، وعلى تقدير تعلقها بمحذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية، ولا مانع من أن تكون بمعنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل: ولا مانع أيضا من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا: عقدة ناشئة من لساني. والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليه السلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم: إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان. وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله عنه حبسة وربما يتعذر عليه السلام حتى يضرب بيده اليمني فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله. وقال بعضهم: لا تقاوم فصاحة الذات اعراب الكلمات. وأنشد قول القائل: سر الفصاحة كامن في المعدن * لخصائص الأرواح لا للالسن وقول الآخر: لسان فصيح معرب في كلامه * فياليته في موقف الحشر يسلم وما ينفع الأعراب ان لم يكن تقى * وما ضر ذا تقوى لسان معجم