تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٩٤
العصا ونزع اليد، وقال: * (فذانك برهانان) * وقال بعضهم: إنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آيات شتى كما في قوله تعالى: * (آيات بينات مقام إبراهيم) * (آل عمران: 97) فإن انقلاب العصا حيوانا آية. وكونها ثعبانا عظيما لا يقادر قدره آية أخرى. وسرعة حركته مع عظم جرمه آية أخرى. وكونه مع ذلك مسخرا له عليه السلام بحيث يده في فمه فلا يضره آية أخرى ثم انقلابها عصا كما كانت آية أخرى وكذلك اليد البيضاء فإن بياضها في نفسه آية وشعاعها آية ثم رجوعها إلى حالتها الأولى آية أخرى. وقيل: المراد بها ما أعطى عليه السلام من معجزة ووحي، والذي يميل إليه القلب أنها العصا واليد لما سمعت من المؤيد مع ما تقدم من أنه تعالى بعد ما أمره بإلقاء العصا وأخذها بعد انقلابها حية قال سبحانه: * (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء) * (القصص: 32) آية أخرى ثم قال سبحانه: * (إذهب إلى فرعون إنه طغى) * (طه: 43) من غير تنصيص على غير تلك الآيتين ولا تعرض لوصف حل العقدة ولا غيره بكونه آية، ثم إن الباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها في إجراء أحكام الرسالة وإكمال الدعوة لا مجرد إذهابها وإيصالها إليه وهذا ظاهر في تحقق الآيات إذ ذاك وأكثر التسع لم يتحقق بعد.
* (ولا تنيا) * من الونى بمعنى الفتور وهو فعل لازم وإذا عدى عدي بفي وبعن، وزعم بعض البغداديين أنه فعل ناقص من أخوات زال وبمعناهما واختاره ابن مالك، وفي " الصحاح " فلان لا يني يفعل كذا أي لا يزال يفعل كذا وكذا هذا المعنى مأخوذ من نفي الفتور، وقرأ ابن وثاب * (ولا تنيا) * بكسر التاء اتباعا لحركة النون. وفي مصحف عبد الله * (لا تهنا) * وحاصله أيضا لا تفترا * (في ذكرى) * بما يليق بي من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة عند تبليغ رسالتي والدعاء إلى عبادتي، وقيل: المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكر يقع مجازا على جميع العبادات وهو من أجلها وأعظمها. وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: لا تنسياني حيثما تقلبتما واستمدا به العون والتأييد واعلما أن أمرا من الأمور لا يتأتى ولا يتسنى إلا بذكري.
وجمع هارون مع موسى عليه السلام في صيغة نهي الحاضر بناء على القول بغيبته إذ ذاك للتغليب ولا بعد في ذلك كما لا يخفى، وكذا جمعه في صيغة أمر الحاضر بناء على ذلك أيضا في قوله تعالى:
* (اذهبآ إلى فرعون إنه طغى) * * (إذهبا إلى فرعون إنه طغى) * وروي أنه أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى عليهما السلام، وقيل: ألهم ذلك، وقيل: سمع بإقباله فتلقاه، ويحتمل أنه ذهب إلى الطور واجتمعا هناك فخوطبا معا، ويحتمل أن هذا الأمر بعد إقبال موسى عليه السلام من الطور إلى مصر واجتماعه بهارون عليه السلام مقبلا إليه من مصر، وفرق بعضهم بين هذا، وقوله تعالى: * (اذهب أنت وأخوك) * بأنه لم يبين هناك من يذهب إليه وبين هنا، وبعض آخر بأنه أمرا هنا بالذهاب إلى فرعون وكان الأمر هناك بالذهاب إلى عموم أهل الدعوة، وبعض آخر بأنه لم يخاطب هارون هناك وخوطب هنا، وبعض آخر بأن الأمر هناك بذهاب كل منهما على الانفراد نصا أو احتمالا والأمر هنا بالذهاب على الاجتماع نصا، ولا يخفى ما في بعض هذه الفروق من النظر، والفرق ظاهر بين هذا الأمر والأمر في قوله تعالى أولا خطابا لموسى عليه السلام * (إذهب إلى فرعون إنه طغى) *.
* (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * * (فقولا له قولا لينا) * قرأ أبو معاذ * (لينا) * بالتخفيف، والفاء لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة ويلين قسوة
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»