تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٨٧
* (ولقد مننا عليك مرة أخرى) * * (ولقد مننا عليك) * استئناف مسوق لتقرير ما قبله وزيادة توطين لنفس موسى عليه السلام بالقبول ببيان أنه تعالى حيث أنعم عليك بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء وطلب منه فلأن ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداع أولى وأحرى. وتصديره بالقسم لكمال الاعتناء بذلك أي وبالله لقد أنعمنا * (مرة أخرى) * أي في وقت غير هذا الوقت على أن أخرى تأنيث آخر بمعنى مغايرة. و * (مرة) * ظرف زمان والمراد به الوقت الممتد الذي وقع فيه ما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره في المنن العظيمة الكثيرة. وهو في الأصل اسم لمرور الواحد ثم أطلق على كل فعلة واحدة متعدية كانت أو لازمة ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد ماله أفراد متجددة فصار علما في ذلك حتى جعل معيارا لما في معناه من سائر الأشياء فقيل هذا بناء المرة ويقرب منه الكرة والتارة والدفعة. وقال أبو حيان: المراد منه غير هذه المنة وليست * (أخرى) * تأنيث آخر بكسر الخاء لتكون مقابلة للأولى. وتوهم ذلك بعضهم فقال: سماها سبحانه أخرى وهي أولى لأنها أخرى في الذكر.
* (إذ أوحينآ إلى أمك ما يوحى) * * (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) * ظرف لمننا سواء كان بدلا من مرة أم لا، وقيل: تعليل وهو خلاف الظاهر، والمراد بالإيحاء عند الجمهور ما كان بالهام كما في قوله تعالى: * (وأوحى ربك إلى النحل) * (النحل: 68) وتعقب بأنه بعيد لأنه قال تعالى في سورة القصص: * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * (القصص: 7) ومثله لا يعلم بالإلهام وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه عليه السلام ما يدل على نبوته وأنه تعالى لا يضيعه، والهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه نوع من " الكشف " ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمى نبينا صلى الله عليه وسلم محمدا فقيل له: لم سميت ولدك محمدا وليس في أسماء آبائك؟: إنه سيحمد، وفي رواية رجوت أن يحمد في السماء والأرض مع أن كون ذلك داخلا في الملهم ليس بلازم.
واستظهر أبو حيان أنه كان ببعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم وهو مبني على أن الملك يبعث إلى غير الأنبياء عليهم السلام وهو الصحيح لكن قيل: عليه أنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحى إليه، ولو قيل: من أوحي إليه على وجه النبوة دار التعريف وأجيب بأنه لا يتعين ذلك. ولو قيل: من أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها لم يلزم محذور. وقال الجبائي: إنه كان بالإراءة منا ما. وقيل: كان على لسان نبي في وقتها كما في قوله تعالى: * (وإذ أوحيت إلى الحواريين) * (المائدة: 111) وتعقب بأنه خلاف الظاهر فإنه لم ينقل إنه كان نبي في مصر زمن فرعون قبل موسى عليه السلام.
وأجيب بأن ذلك لا يتوقف على كون النبي في مصر، وقد كان شعيب عليه السلام نبيا في زمن فرعون في مدين فيمكن أن يكون أخبرها بذلك على أن كثرة أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام مما شاع وذاع، والحق أن إنكار كون ذلك خلاف الظاهر مكابرة. واختلف في اسم أمه عليه السلام مما شاع وذاع، والحق أن إنكار كون ذلك خلاف الظاهرة مكابرة. واختلف في اسم أمه عليه السلام والمشهور أنه يوحانذ، وفي الاتقان هي محيانة بنت يصهر بن لاوى، وقيل: بارخا، وقيل: بازخت وما اشتهر من خاصية فتح الاقفال به بعد رياضة مخصوصة له مما لم نجد فيه أثرا ولعله حديث خرافة، والمراد بما يوحى ما قصه الله تعالى فيما بعد من الأمر بقذفه في التابوت. وقدفه في " البحر " أبهم أولا تهويلا له وتفخيما لشأنه، ثم فسر ليكون أقر عند النفس، وقيل: معناه ما ينيغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به كما يقال هذا مما يكتب، وقيل: ما لا يعلم إلا بالوحي، والأول أوفق بكل من المعاني السابقة المرادة بالإيحاء إلا أنه قيل: عليه إنه لو كان المراد
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»