تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٠
لما سمعوه تعالى يقول: * (واتقوا الله ويعلمكم الله) * (البقرة: 282) * (وإن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * (الأنفال: 29). * (وقل ربي زدني علما) * (طه: 114). * (وعلمناه من لدنا علما) * (الكهف: 65) فعندما توجهت قلوبهم وهممهم إلى الله عز وجل ولجأت إليه سبحانه وتعالى وألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث والنظر ونتائج العقول كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة فعند ما كان منهم هذا الاستعداد تجلى لهم الحق عيانا معلما فاطلعتهم تلك المشاهدة على معاني تلك الكلمات دفعة واحدة فعرفوا المعنى التنزيهي الذي سيقت له. ويختلف ذلك بحسب اختلاف مقامات إيرادها وهذا حال طائفة منا وحال طائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التجلي لكن لهم الإلقاء والإلهام واللقاء والكتاب وهم معصومون فيما يلقى إليهم بعلامات عندهم لا يعرفها سواهم فيخبرون بما خوطبوا به وبما ألهموا وما ألقى إليهم أو كتب اه‍ المراد منه.
ولعل من يقول بإجراء المتشابهات على ظواهرها مع نفي اللوازم كمذهب السلف الأول من الصوفية طائفة لم يحصل لهم ما حصل لهاتين الطائفتين والفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاءچ هذا بقي هل يسمى ما عليه السلام تأويلا أم لا المشهور عدم تسمية ما عليه المفوضة منهم تأويلا وسماه بعضهم تأويلا كالذي عليه الخلق، قال اللقاني: أجمع الخلف ويعبر عنهم بالمؤولة والسلف ويعبر عنهم بالمفوضة على تنزيهه تعالى عن المعنى المحال الذي دل عليه الظاهر وعلى تأويله وإخراجه عن ظاهره المحال وعلى الإيمان به بأنه من عند الله تعالى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما اختلفوا في تعيين محمل له معنى صحيح وعدم تعيينه بنا. على أن الوقف على قوله تعالى: * (والراسخون في العلم) * أو على قوله سبحانه: * (إلا الله) * ويقال لتأويل السلف إجمالي ولتأويل الخلف تفصيلي انتهى ملخصا.
وكان شيخنا العلامة علاء الدين يقول: ما عليه المفوضة تأويل واحد وما عليه المؤولة تأويلان، ولعله راجع إلى ما سمعت، وأما ما عليه القائلون بالظواهر مع نفي اللوازم فقد قيل: إن فيه تأويلا أيضا لما فيه من نفي اللوازم وظاهر الألفاظ أنفسها تقتضيها ففيه إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، وإخراج اللفظ عن ذلك لدليل ولو مرجوحا تأويل. ومعنى كونهم قائلين بالظواهر أنهم قائلون بها في الجملة، وقيل: لا تأويل فيهم لأنهم يعتبرون اللفظ من حيث نسبته إليه عز شأنه وهو من هذه الحيثية لا يقتضي اللوازم فليس هناك إخراج اللفظ عما يقتضيه الظاهر، ألا ترى أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على رؤية الله تعالى في الآخرة مع نفي لوازم الرؤية في الشاهد من المقابلة والمسافة المخصوصة وغيرهما مع أنه لم يقل أحد منهم: إن ذلك من التأويل في شيء، وقال بعض الفضلاء: كل من فسر فقد أول وكل من لم يفسر لم يؤول لأن التأويل هو التفسير فمن عدا المفوضة مؤولة وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى: * (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) * (آل عمران: 7) بناء على أن الوقف على * (إلا الله) * ولا يخفى أن القول بأن القائلين بالظواهر مع نفي اللوازم من المؤولة الغير الداخلين في الراسخين في العلم بناء على الوقف المذكور لا يتسنى مع القول بأنهم من السلف الذين هم هم وقد يقال: إنهم داخلون في الراسخين والتأويل بمعنى آخر يظهر بالتتبع والتأمل، وقد تقدم الكلام في المراد بالمتشابهات وذكرنا ما يفهم منه الاختلاف في معنى التأويل وأنا أميل إلى التأويل وعدم القول بالظواهر مع نفي اللوازم في بعض ما ينسب إلى الله تعالى مثل قوله سبحانه: * (سنفرغ لكم أيها الثقلان) * (الرحمان: 31) وقوله عز وجل: * (يا حسرة على العباد) * (يس: 30) كما في بعض القراآت وكذا قوله صلى الله عليه وسلم إن صح: " الحجر الأسود يمين الله في أرضه فمن قبله أو صافحه فكأنما صافح الله تعالى وقبل يمينه " فاجعل الكلام فيه خارجا مخرج التشبيه لظهور القرينة، ولا أقول: الحجر الأسود من صفاته تعالى كما قال السلف
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»