تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٥٤
في وجوه أصحابه ثم قال: ويحك أنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب " ومن شعر أمية بن أبي الصلت: مجدوا الله فهو للمجد أهل * ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء العالي الذي بهر النا * س وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله طرف الع‍ * - ين ترى حوله الملائك صورا وذهب طائفة من أهل الكلام إلى أنه مستدير من جميع الجوانب محيط بالعالم من كل جهة وهو محدد الجهات وربما سموه الفلك الأطلس والفلك التاسع. وتعقبه بعض شراح عقيدة الطحاوي بأنه ليس بصحيح لما ثبت في الشرع من أن له قوائم تحمله الملائكة عليهم السلام، وأيضا أخرجا في " الصحيحين " عن جابر أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ " والفلك التاسع عندهم متحرك دائما بحركة متشابهة، ومن تأول ذلك على أن المراد باهتزازه استبشار حملة العرش وفرحهم فلا بد له من دليل على أن سياق الحديث ولفظه كما نقل عن أبي الحسن الطبري. وغيره بعيد عن ذلك الاحتمال، وأيضا جاء في " صحيح مسلم " من حديث جويرية بنت الحرث ما يدل على أن له زنة هي أثقل الأوزان والفلك عندهم لا ثقيل ولا خفيف، وأيضا العرب لا تفهم منه الفلك والقرآن إنما نزل بما يفهمون.
وقصارى ما يدل عليه خبر أبي داود عن جبير بن مطعم التقبيب وهو لا يستلزم الاستدارة من جميع الجوانب كما في الفلك ولا بد لها من دليل منفصل. ثم إن القوم إلى الآن بل إلى أن ينفخ في الصور لا دليل لهم على حصر الأفلاك في تسعة ولا على أن التاسع أطلس لا كوكب فيه وهو غير الكرسي على الصحيح فقد قال ابن جرير: قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض ".
وروى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش. والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد روي مرفوعا والصواب وقفه على الحبر، وقيل: العرش كناية عن الملك والسلطان. وتعقبه ذلك البعض بأنه تحريف لكلام الله تعالى وكيف يصنع قائل ذلك بقوله تعالى: * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * (الحاقة: 17) أيقول ويحمل ملكه تعالى يومئذ ثمانية، وقوله عليه الصلاة والسلام: " فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش " أيقول آخذ بقائمة من قوائم الملك وكلا القولين لا يقولهما من له أدنى ذوق، وكذا يقال: أيقول في " اهتز عرش الرحمن " الحديث اهتز ملك الرحمن وسلطان، وفيما رواه البخاري. وغيره عن أبي هريرة مرفوعا لما قضى الله تعالى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي فهو عنده سبحانه وتعالى فوق الملك والسلطان؛ وهذا كذينك القولين، والاستواء على الشيء جاء بمعنى الارتفاع والعلو عليه وبمعنى الاستقرار كما في قوله تعالى: * (واستوت على الجودى) * (هود: 4 ط) * (ولتستووا على ظهوره) * (الزخرف: 13) وحيث كان ظاهر ذلك مستحيلا عليه
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»