بلها والمكان رشه وفلانا ألزم يده الثرى، وفسر بمطلق التراب أي وله تعالى ما واراه التراب وذكره مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقرير، وإذا كان ما في الأرض ما هو عليها فالأمر ظاهر، وما تقدم من الإشارة إلى أن المراد له تعالى كل ذلك ملكا وتصرفا هو الظاهر.
وقيل: المعنى له علم ذلك أي إن علمه تعالى محيط بجميع ذلك، والأول هو الظاهر وعليه يكون قوله تعالى:
* (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) * * (وإن تجهر بالقول) * الخ بيان لإحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء إثر بيان شمول قدرته تعالى لجميع الكائنات، والخطاب على ما قاله في " البحر ": للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته عليه الصلاة والسلام، وجوز أن يكون عاما أي وإن ترفع صوتك أيها الإنسان بالقول * (فإنه يعلم السر) * أي ما أسررته إلى غيرك ولم ترفع صوتك به * (وأخفى) * أي وشيئا أخفى منه وهو ما أخطرته ببالك من غير أن تتفوه به أصلا، وروى ذلك عن الحسن. وعكرمة أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها وروى ذلك عن سعيد بن جبير. وروى عن السيدين الباقر. والصادق السر ما أخفيته في نفسك والأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.
وقيل: * (أخفى) * فعل ماض عطف على * (يعلم) * يعني أنه تعالى يعلم أسرار العباد وأخفى ما يعلمه سبحانه، عنهم وهو كقوله تعالى: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) * (طه: 110)، وروى ذلك أبو الشيخ في " العظمة " عن زيد بنأسلم وهو خلاف الظاهر جدا؛ فالمعول عليه أنه أفعل تفضيل والتنكير للمبالغة في الخفاء، والمتبادر من القول ما يمل ذكر الله تعالى وغيره وإليه ذهب بعضهم، وخصه جماعة بذكره سبحانه ودعائه على أن التعريف للعهد لأن استواء الجهر والسر عنده سبحانه المدلول عليه في الكلام يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه عز وجل، وعلى القولين قوله تعالى: * (فإنه الخ) * قائم مقام جواب الشرط وليس الجواب في الحقيقة لأن علمه تعالى السر وأخفى ثابت قبل الجهل بالقول وبعده وبدونه.
والأصل عند البعض وإن يجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلا عنه. وعند الجماعة وإن تجهر فاعلم أن الله سبحانه غني عن جهرك فإنه الخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بذلك لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل: إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثنيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة وغير ذلك، وقيل: نهى عن الجهر بالذكر والدعاء كقوله تعالى: * (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول) * (الأعراف: 205). وأنت تعلم أن القول بأن الجهر بالذكار والدعاء منهي لا ينبغي أن يكون على إطلاقه.
والذي نص عليه الإمام النووي في " فتاويه " أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعيا مشروع مندوب إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول لقاضيخان في " فتاويه " في ترجمة مسائل كيفية القراءة وقوله في باب غسل الميت: ويكره رفع الصوت بالذكر، فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية لا مطلقا كما تفهمه عبارة البحر الرائق وغيره وهو قول الإمامين في تكبير عيد الفطر كالأضحى، ورواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله تعالى عنه بل في مسنده ما ظاهره استحباب الجهر بالذكر مطلقا، نعم قال