تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٧٩
ذكره الفلاسفة من الأدلة لما ذكره المسلمون في إبطالها. ومن الناس من قال: إن عجب الذنب لا يفنى وإن فنى ما عداه من أجزاء البدن لحديث الصحيحين " ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه خلق الخلق يوم القيامة ".
وفي رواية مسلم " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب " وصحح المزني أنه يفنى أيضا وتأول الحديث بأن المراد منه أن كل الإنسان يبلى بالتراب ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت بلا ملك موت، والخلق منه والتركيب يمكن أي يكون بعد إعادته فليس ما ذكر نصا في بقائه، ووافقه على ذلك ابن قتيبة، وأنت تعلم أن ظواهر الأخبار تدل على عدم فنائه مطلقا، وتوقف بعض العلماء عن الجزم بأحد المذهبين السابقين في كيفية الحشر.
وقال السعد: إنه الحق وهو اختيار أمام الحرمين. وفي المواقف وشرحه للسيد السند هل يعدم الله تعالى الأجزاء البدنية ثم يعيدها أو يفرقها ويعيد فيها التأليف الحق أنه لم يثبت في ذلك شيء فلا جزم فيه نفيا ولا إثباتا لعدم الدليل على شيء من الطرفين.
وقال حجة الإسلام الغزالي في كتاب الاقتصاد: فإن قيل ما تقولون هل تعدم الجواهر والاعراض ثم يعادان جميعا أو تعدم الاعراض دون الجواهر ثم تعاد الاعراض فقط؟ قلنا: كل ذلك ممكن، والحق أنه ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد الأمرين الممكنين.
وقال بعضهم: الحق وقوع الأمرين جميعا إعادة ما انعدم بعينه وإعادة ما تفرق بإعراضه وهو حسن، والكلام في هذا المقام طويل جدا ولعل الله سبحانه وتعالى يمن علينا باستيفائه ولو في مواضع متعددة.
* (وجعل لهم أجلا) * وهو ميقات إعادتهم وحشرهم أو موتهم وهو على هذا اسم جنس لأن لكل أحد أجلا للموت يخصه، وقد جاء إطلاق الأجل على الموت ووجهه أنه يطلق على مدة الحياة وعلى آخرها والموت مجاور لذلك * (لا ريب فيه) * أي لا ينبغي الريب فيه والإنكار لمن تدبره أو النفي على ظاهره، والجملة معطوفة على * (أولم يروا) * وهي وإن كانت إنشائية وفي عطف الإخبارية عليها مقال مؤولة بخبرية والعطف على الصلة فيما مر متعذر للفصل بخبر أن.
وكذا على ما بعد أن المصدرية لفظا ومعنى والمعنى كما في " الكشف " وغيره قد علموا بدليل العقل أن الله تعالى قادر على إعادتهم وقد جعل أجلا لها لا ريب فيه فلا بد منها أي إذا كان ذلك ممكنا في نفسه واجب الوقوع بخبر الصادق لا يبقى للإنكار معنى فإن كان الأجل بمعنى ميقات إعادتهم أي يوم القيامة لقولهم * (أئذا كنا عظاما ورفاتا) * وهو الظاهر فهو واضح، وإن كان بمعنى الموت فوجهه أنهم قد علموا إمكانه وأنهم ميتون لا محالة منسلخون من هذه الحياة وأنه لا بد لهم من جزاء فلم يخلقوا عبثا ولم يتركوا سدى ففيم الإنكار، وكأنه قد اكتفى بالموت عما بعده لأنه أول القيامة ومن مات فقد قامت قيامته فالعطف في التقدير على قد علموا، ويعلم من هذا التقرير أن الجامع بين الجملتين لصحة العطف في غاية القوة.
وزعم القطب أن الأولى العطف على ما بعد أن المصدرية أما أولا فلأنه أقرب، وأما ثانيا فلأن جعل الأجل يدخل حينئذ تحت قدرته تعالى وتحت علمهم بخلاف ما إذا عطف على قوله سبحانه: * (أو لم يروا) * الخ
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»