تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٧٤
بعض الناس أن الآية تؤيد مذهبهم لأنه تعالى خص فيها الملك بالإرسال إلى الملائكة فيتعين أن يكون هو الرسول إليهم لا البشر سواء كان بينه وبينهم مناسبة أم لا وقد سمعت ما نقل عن العلامة القطب وصاحب التقريب من أن المراد لنزلنا عليهم رسولا حال كونه ملكا لا بشرا. وأجيب بأنه بعد إرخاء العنان لا تدل الآية إلا على تعين إرسال الملك إلى الملائكة إذا كانوا في الأرض يمشون مطمئنين بدل البشر ولا يلزم منه أن لا يصح إرسال البشر إليهم إذا لم يكونوا كذلك لجواز أن يكون حكمة التعين في الصورة الأولى سوى المناسبة المترتب عليها سهولة الاجتماع والتلقي شيء آخر لا يوجد في الصورة الثانية وذلك أنه إذا كان أهل الأرض ملائكة وأرسل إليهم بشر له قوة الإلقاء إليهم والإفاضة عليهم، نحو إرسال رسل البشر عليهم السلام إليهم صعب بحسب الطبع على ذلك الرسول بقاؤه معهم زمنا يعتد بهم كما يبقى رسل البشر مع البشر كذلك إلا أن يجعل مشاركا لهم فيما جبلوا عليه ويلحق بهم وهو أشبه شيء بإخراجه عن الطبيعة البشرية بالمرة فيكون العدول عن إرسال ملك إلى إرساله أشبه شيء بالعبث المنافي للحكمة اه‍ فتدبر.
فلعل الله سبحانه يمن عليك بما روى الغليل وتأمل في جميع ما تقدم فلعلك توفق بعون الله تعالى إلى الجرح والتعديل.
* (قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * * (قل) * لهم ثانيا من جهتك بعدما قلت لهم من قبلنا ما قلت وبينت لهم ما تقتضيه الحكمة في البعثة ولم يرفعوا إليه رأسا * (كفى بالله) * عز وجل وحده * (شهيدا) * على أني قد أديت ما على من مواجب الرسالة أكمل أداء وإنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد، وقيل شهيدا على أني رسول الله تعالى إليكم بإظهار المعجزة على وفق دعواي، ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: * (بيني وبينكم) * وكذا بقوله سبحانه تعليلا للكفاية * (إنه كان بعباده) * أي الرسل والمرسل إليهم * (خبيرا بصيرا) * أي محيطا بظواهرهم وبواطنهم فيجازيهم على ذلك، وزعم الخفاجي أن الثاني أوفق بالسباق منه إذ يكون الكلام عليه كالسابق ردا لإنكارهم أن يكون الرسول بشرا وإلى ذلك ذهب الإمام وأن كون الأول أوفق بقوله تعالى: * (إنه كان) * الخ لا وجه له لأن معناه التهديد والوعيد بأنه سبحانه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وأنهم إنما ذكروا هذه الشبهة للحسد وحب الرياسة والاستنكاف عن الحق وفيه من التسلية لحبيبه صلى الله عليه وسلم ما فيه، وأنت تعلم أن إنكار كون الأول أوفق بذلك مما لا وجه له لظهور خلافه، ولا ينافيه تضمن الجملة الوعيد والتسلية، وأيضا يبقى أمر أوفقيته بيني وبينكم في البيت ومع ذلك في تصدير الكلام بقل نوع تأييد لإرادة الأول كما لا يخفى على الذكى، هذا وإنما لم يقل سبحانه بيننا تحقيقا للمفارقة وإبانة للمباينة، ونصب * (شهيدا) * أما على الحال أو على التمييز.
* (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أوليآء من دونه ونحشرهم يوم القي‍امة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) * * (ومن يهد الله) * كلام مبتدأ غير داخل في حيز * (قل) * يفصل ما أشار إليه الكلام السابق من مجازاة العباد لما أن علمه تعالى في مثل هذا الموضع مستعمل بمعنى المجازاة أي من يهد الله تعالى إلى الحق * (فهو المهتد) * إليه وإلى ما يؤدي إليه من الثواب أو المهتدي إلى كل مطلوب والأكثرون حذفوا ياء المهتدي * (ومن يضلل) * يخلق فيه الضلال لسوء اختياره وقبح استعداده كهؤلاء المعاندين * (فلن تجد لهم أولياء) * أي أنصارا * (من دونه) * عز وجل يهدونهم إلى طريق الحق أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية أو إلى طريق النجاة من العذاب الذي يستدعيه ضلالهم على معنى لن تجد لأحد منهم وليا على ما يقتضيه قضية مقابلة الجمع بالجمع من انقسام الآحاد على الآحاد على
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»