تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٨٤
ما يؤيد الثاني الخبر * (فاسئل بني إسرائيل) * وقرأ جمع * (فسل) * والظاهر أنه خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم والسؤال بمعناه المشهور إلا أن الجمهور على أنه خطاب لموسى عليه السلام، والسؤال إما بمعنى الطلب أو بمعناه المشهور لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجها أحمد في الزهد وابن المنذر. وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس فسال على صيغة الماضي بغير همز كقال وهي لغة قريش فإنهم يبدلون الهمزة المتحركة وذلك لأن هذه القراءة دلت على أن السائل موسى عليه السلام وإنه مستعقب عن الإيتاء فلا يجوز أن يكون فاسأل خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم لئلا تتخالف القراءتان ولا بد إذ ذاك من إضمار لئلا يختلفا خبرا وطلبا أي فقلنا له اطلبهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل أو اطلب منهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك أو سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم واستفهم منهم هل هم ثابتون عليه أو اتبعوا فرعون ويتعلق بالقول المضمر قوله تعالى: * (إذ جاءهم) * وهو متعلق بسال على قراءته صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك المضمر في اللفظ قوله تعالى: * (فقال له فرعون) * لأنه لو كان فاسأل خطابا لنبينا عليه الصلاة والسلام لانفك النظم وأيضا لا يظهر استعقابه ولا تسببه عن إيتاء موسى عليه السلام نعم جعل الذاهبون إلى الأول فاسأل اعتراضا من باب زيد فاعلم فقيه والفاء تكون للاعتراض كالواو وعلى ذلك قوله: واعلم فعلم المرء ينفعه * ان سوف يأتي كل ما قدرا وهذا الوجه مستغن عن الإضمار و * (إذ جاءهم) * متعلق عليه بآتينا ظرفا ولا يصح تعلقه بسل إذ ليس سؤاله صلى الله عليه وسلم في وقت مجىء موسى عليه السلام ، قال في " الكشف ": والمعنى فاسأل يا محمد مؤمني أهل الكتاب عن ذلك إما لأن تظاهر الأدلة أقوى، وإما من باب التهييج والإلهاب، وإما للدلالة على أنه أمر محقق عندهم ثابت في كتابهم وليس المقصود حقيقة السؤال بل كونهم أعني المسؤولين من أهل علمه ولهذا يؤمر مثلك بسؤالهم وهذا هو الوجه الذي يجمل به موقع الاعتراض، وجوز أن يكون منصوبا باذكر مضمرا على أنه مفعول به وجاز على هذا أن لا يجعل * (فاسأل) * اعتراضا ويجعل اذكر بدلا عن اسأل لما سمعت من أن السؤال ليس على حقيقته وكذا جوز أن يكون منصوبا كذلك بيخبروك مضمرا وقع جواب الأمر أي سلهم يخبروك إذ جاءهم.
ولا يجوز على هذا الاعتراض، نعم يجوز الاعتراض على هذا بأن أخبر يتعدى بالباء أو عن لا بنفسه فيجب أن يقدر بدل الإخبار الذكر ونحوه مما يتعدى بنفسه وإما جعله ظرفا له غير صحيح إذ الإخبار غير واقع في وقت المجىء، واعترض أيضا بأن السؤال عن الآيات والجواب بالإخبار عن وقت المجىء أو ذكره لا يلائمه.
ويمكن الجواب بأن المراد يخبروك بذلك الواقع وقت مجيئه لهم أو يذكروا ذلك لك وهو كما ترى، وبعضهم جوز تعلقه بيخبروك على أن إذ للتعليل، وعلى هذا يجوز تعلقه باذكر، والمعنى على سائر احتمالات كون الخطاب لنبينا عليه الصلاة والسلام إذ جاء آباءهم إذ بنو إسرائيل حينئذ هم الموجودون في زمانه صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام ما جاءهم فالكلام إما على حذف مضاف أو على ارتكاب نوع من الاستخدام، والاحتمالات على تقدير جعل الخطاب لمن يسمع هي الاحتمالات التي سمعت على تقدير جعله لسيد السامعين عليه الصلاة والسلام.
والفاء في * (فقال) * على سائر الاحتمالات والأوجه فصيحة والمعنى إذ جاءهم فذهب إلى فرعون وادعى النبوة وأظهر المعجزة وكيت وكيت فقال: * (إني لأظنك يا موسى مسحورا) * سحرت فاختل عقلك ولذلك اختل كلامك
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»