تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٩٠
الحصر وليس كذلك وإنما هو بمعنى تعلق خاص ولو سلم فمعنى الاختصاص بالذقن الاختصاص بجهته ومحاذيه وهي جهة السفل ولا شك في اختصاصه به إذ هو لا يكون لغيره فمعنى * (يخرون للأذقان) * (الإسراء: 109) يقعون على الأرض عند التحقيق، والمراد تصوير تلك الحالة كما في قوله: فخر صريعا لليدين وللفم فتأمل.
واختار بعضهم كون اللام بمعنى على، وزعم بعض عود ضميري * (به. وقبله) * على النبي صلى الله عليه وسلم ويأباه السباق واللحاق، وأخرج ابن المنذر. وابن جرير أن ضمير * (يتلى) * لكتابهم ولا يخفى حاله؛ والظاهر أن الجملة الاسمية داخلة في حيز * (قل) * وهي تعليل لما يفهم من قوله تعالى: * (آمنوا به أو لا تؤمنوا) * من عدم المبالاة بذلك أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به أحسن إيمان من هو خير منكم، ويجوز أن لا تكون داخلة في حيز قل بل هي تعليل له على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وأغراضهم وقد ذكر كلا الوجهين الكشاف قال في " الكشف " والحاصل أن المقصود التسلي والازدراء وعدم المبالاة المفيد للتوبيخ والتقريع مفرع عليه مدمج أو بالعكس والصيغة في الثاني أظهر والتعليل بقوله سبحانه: * (إن الذين أوتوا العلم) * في الأول.
وقال ابن عطية يتوجه في الآية معنى آخر وهو أن قوله سبحانه: * (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا) * إنما جاء للوعيد والمعنى افعلوا أي الأمرين شئتم فسترون ما تجازون به ثم ضرب لهم المثل على جهة التقريع بمن تقدم من أهل الكتاب أي إن الناس لم يكونوا كما أنتم في الكفر بل كان الذين أوتوا التوراة والإنجيل والزبور والكتب المنزلة إذا يتلى عليهم ما أنزل عليهم خشعوا وآمنوا اه‍، وهو بعيد جدا ولا يخلو عن ارتكاب مجاز.
وربما يكون في الكلام عليه استخدام.
* (ويقولون سبحان ربنآ إن كان وعد ربنا لمفعولا) * * (ويقولون) * أي في سجودهم أو مطلقا * (سبحان ربنا) * عن خلف وعده أو عما يفعل الكفرة من التكذيب * (إن كان وعد ربنا لمفعولا) * إن مخففة من المثقلة واسمها ضمير شأن واللام فارقة أي إن الشأن هذا.
* (ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) * * (ويخرون للأذقان يبكون) * كرر الخرور للأذقان لاختلاف السبب فإن الأول لتعظيم أمر الله تعالى أو الشكر لإنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن، والجار والمجرور إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالا مما قبل أو مما بعد أي ساجدين، وجملة * (يبكون) * حال أيضا أي باكين من خشية الله تعالى، ولما كان البكاء ناشئا من الخشية الناشئة من التفكر الذي يتجدد جيء بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد، وقد جاء في مدح البكاء من خشيته تعالى أخبار كثيرة فقد أخرج الحكيم الترمذي عن النضر بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن عبدا بكى في أمة لأنجى الله تعالى تلك الأمة من النار ببكاء ذلك العبد وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فإنها تطفىء بحورا من النار وما أغروروقت عين بمائها من خشية الله تعالى إلا حرم الله تعالى جسدها على النار فإن فاضت على خده لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة " وأخرج أيضا عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله تعالى وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى " وأخرج هو والنسائي ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع ولا اجتمع على عبد غبار في سبيل الله تعالى ودخان جهنم " زاد النسائي في منخريه ومسلم أبدا، وينبغي أن يكون ذلك حال العلماء فقد أخرج ابن جرير وابن
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»