تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٦٨
الاعجاز، والمراد بالناس المذكورون أولا وأوثر الإظهار على الإضمار تأكيدا وتوضيحا، والمراد بالأكثر قيل: من كان في عهده صلى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب.
واستظهر في البحر أنهم أهل مكة بدليل أن الضمائر الآتية لهم ونصب * (كفورا) * على أنه مفعول أبى والاستثناء مفرغ وصح ذلك هنا مع أنه مشروط بتقدم النفي فلا يصح ضربت الازيدا لأن أبي قريب من معنى النفي فهو مؤول به فكأنه قيل ما قبل أكثرهم إلا كفورا وفيه من المبالغة ما ليس في أبوا الإيمان لأن فيه زيادة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفر من الإيمان والتوقف في الأمر ونحو ذلك وأنهم بالغوا في عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الآباء، وإنما لم يجز ذلك في الإثبات لفساد المعنى إذ لا قرينة على تقدير أمر خاص والعموم لا يصح إذ لا يمكن في المثال أن تضرب كل أحد إلا زيدا فإن صح العموم في مثال جاز التفريغ في غير تأويل بنفي فيجوز صليت إلا يوم كذا إذ يجوز أن تصلي كل يوم غيره، وجوز أن تكون الآية من هذا القبيل بأن يكون المراد أبوا كل شيء فيما اقترحوه إلا كفورا.
* (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) * * (وقالوا) * عند ظهور عجزهم ووضوح مغلوبيتهم بالإعجاز التنزيلي وغيره من المعجزات الباهرة متعللين بما لا تقتضي الحكمة وقوعه من الأمور ولا توقف لثبوت المدعي عليه وبعضه من المحالات العقلية * (لن نؤمن لك حتى تفجر) * بالتخفيف من باب نصر المتعدي وبذلك قرأ الكوفيون أي تفتح، وقرأ باقي السبعة * (تفجر) * من فجر مشددا والتضعيف للتكثير لا للتعدية.
وقرأ الأعمس. وعبد الله بن مسلم بن يسار * (تفجر) * من أفجر رباعيا وهي لغة في تجر * (لنا من الأرض) * أي أرض مكة لقلة مياهها فالتعريف عهدي * (ينبوعا) * مفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر وكثر موجه فالياء زائدة للمبالغة، والمراد عينا لا ينضب ماؤها، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى أن الينبوع هو النهر الذي يجري من العين، والأول مروى عن مجاهد وكفى به.
* (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانه‍ار خل‍الها تفجيرا) * * (أو تكون لك) * خاصة * (جنة) * بستان تستر أشجارها ما تحتها من العرصة * (من نخيل وعنب) * خصوهما بالذكر لأنهما كانا الغالب في هاتيك النواحي مع جلالة قدرهما * (فتفجر الأنهار) * أي تجريها * (خلالها) * نصب على الظرفية أي وسط تلك الجنة واثنائها * (تفجيرا) * كثيرا والمراد اما إجراء الأنهار خلالها عند سقيها أو إدامة إجرائها كما ينبىء الفاء.
* (أو تسقط السمآء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والمل‍ائكة قبيلا) * * (أو تسقط السماء) * الجرم المعلوم * (كما زعمت علينا كسفا) * جمع كسفة كقطعة وقطع لفظا ومعنى وهو حال من السماء والكاف في * (كما) * في محل النصب على أنه صفة مصدر محذوف أي إسقاطا مماثلا لما زعمت يعنون بذلك قوله تعالى: * (أو تسقط عليهم كسفا من السماء) * وزعم بعضهم أنهم يعنون ما في هذه السورة من قوله تعالى: * (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا) * (الإسراء: 68) وليس بشيء، وقيل: أن المعنى كما زعمت أن ربك إن شاء فعل وسيأتي ذلك أن شاء الله تعالى في خبر ابن عباس، وقرأ مجاهد * (يسقط السماء) * بياء الغيبة ورفع * (السماء) * وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وحمزة. والكسائي. ويعقوب * (كسفا) * بسكون السين في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة ونافع. وأبو بكر في غيرهما. وحفص فيما عدا الطور في قول. وفي النشر إنهم اتفقوا على إسكان السين في الطور وهو إما مخفف من المفتوح لأن السكون من الحركة مطلقا كسدر وسدر أو هو فعل صفة بمعنى مفعول كالطحن بمعنى المطحون أي شيئا مكسوفا أي مقطوعا * (أو تأتي بالله والمل‍ائكة قبيلا) * أي مقابلا كالعشير والمعاشر
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»