ما آتاه الله تعالى وعلى امتناع هؤلاء أن يصل منهم شيء من الخير إليه صلى الله عليه وسلم فهي قد جاءت مبنية تباين ما بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم من حرصه على نفعهم وعدم إيصال شيء من الخير منهم إليه اه. فالارتباط بين الآية وبين مجموع الآيات السابقة من حيث أنها تشعر بحرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم ولعمري إن هذا مما يأباه الذوق السليم والذهن المستقيم.
ويحتمل أن يكون وجه الارتباط اشتمالها على ذمهم بالشح المفرط كما أن ما قبلها مشتمل على ذمهم بالكفر كذلك وهما صفتان سيئتان ضرر إحداهما قاصر وضرر الأخرى متعد فتأمل فلمسلك الذهن اتساع والله تعالى أعلم بمراده، ولما حكى سبحانه عن قريش ما حكى من التعنت والعناد مع رسوله صلى الله عليه وسلم سلاه تعالى جده بما جرى لموسى عليه السلام مع فرعون وما صنع سبحانه بفرعون وقومه فقال عز قائلا:
* (ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات فاسأل بنى إسراءيل إذ جآءهم فقال له فرعون إنى لأظنك ياموسى مسحورا) * * (ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات) * ظاهر السياق والنظائر يقتضيان كون المعنى تسع أدلة واضحات الدلالة على نبوة موسى عليه السلام وصحة ما جاء به من عند الله تعالى ولا ينافيه أنه قد أوتي من ذلك ما هو أكثر مما ذكر لأن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد كما حقق في الأصول وإلى هذا ذهب غير واحد إلا أنه اختلف في تعيين هذه التسع ففي بعض التفاسير هي كما في التوراة العصا ثم الدم ثم الضفادع ثم القمل ثم موت البهائم ثم برد كنار أنزل مع نار مضطرمة أهلكت ما مرت به من نبات وحيوان ثم جراد ثم ظلمة ثم موت عم كبار الآدميين وجميع الحيوانات. وأخرج عبد الرزاق. وسعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص من الثمرات، وروي ذلك عن مجاهد. والشعبي. وقتادة. وعكرمة.
وتعقب هذا بأن السنين والنقص من الثمرات آية واحدة كما روي عن الحسن.
ورد بأنه ليس بالحسن إذ ظاهر قوله تعالى: * (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) * (الأعراف: 130) يقتضي المغايرة فيحمل الأول على الجدب في بواديهم والثاني على النقصان في مزارعهم أو على نحو ذلك وقد تقدم الكلام فيه فلا ضير في عدهما آيتين. وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم في رواية أخرى عن الحبر أنها يده عليه السلام ولسانه وعصاه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. وفي " الكشاف " عنه رضي الله تعالى عنه أنها العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه الله تعالى على بني إسرائيل. وتعقبه في " الكشف " بقوله فيه: إن الحجر والطور ليسا من الآيات المذهوب بها إلى فرعون وقال تعالى: * (في تسع آيات إلى فرعون وقومه) * (النمل: 12) وذكر سبحانه في هذه السورة * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء) * (الإسراء: 102) والإشارة إلى الآيات ثم قال: والجواب جاز أن يكون التسع البينات بعضا منها غير البعض من تلك التسع وليس في هذه الآية أن الكل لفرعون وقومه وأما الإشارة فإلى البعض بالضرورة لأن الكل إنما حصلت على التدريج وفلق البحر لم يكن في معرض التحدي بل عندما حق الهلاك اه، ولا يخلو عن ارتكاب خلاف الظاهر، وما روي عن ابن عباس أولا لائح الوجه ما فيه أشكال؛ ونسبه في " الكشاف " إلى الحسن وهو خلاف ما وجدناه في الكتب التي يعول عليها في أمثال ذلك، وروي أن عمر بن عبد العزيز عليه الرحمة سأل محمد بن كعب عن هذه الآيات فعد ما عد وذكر فيه الطمس فقال عمر: كيف يكون الفقيه إلا هكذا ثم قال: