كقوله تعالى: * (وبرزوا لله جميعا) * (إبراهيم: 21) فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل: المراد لا سؤال يومئذ منه تعالى ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها. ورد بأن قوله: لأنه سبحانه عالم بجميع أعمالهم يأباه.
واختار غير واحد في الجمع أن النفي بالنسبة إلى بعض المواقف والإثبات بالنسبة إلى بعض آخر، وسيأتي تمام الكلام في ذلك، واستظهر بعضهم عود الضمير في * (لنسألنهم) * إلى * (المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين) * (الحجر: 90، 91) للقرب، وجوز أن يعود على الجميع من مؤمن وكافر لتقدم ما يشعر بذلك من قوله سبحانه: * (وقل إني أنا النذير المبين) * (الحجر: 89) و * (ما) * للعموم كما هو الظاهر، وأخرج ابن جرير: وغيره وعن أبي العالية أنه قال في الآية: يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين عما كانوا يعبدون وعما أجابوا به المرسلين.
وأخرج الترمذي. وجماعة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يسألون عن قول لا إله إلا الله " وأخرجه البخاري في تاريخه. والترمذي من وجه آخر عن أنس مرفوعا، وروي أيضا عن ابن عمر. ومجاهد، والمعنى على ما في " البحر " يسألون عن الوفاء بلا إله إلا الله والتصديق لمقالها بالأعمال، والفاء قيل لترتيب الوعيد على أعمالهم التي ذكر بعضها، وقيل: لتعليل النهي والأمر فيما سبق، وزعم أنها الفاء الداخلة على خبر الموصول كما في قولك: الذي يأتيني فله درهم مبني على أن * (الذين) * مبتدأ وقد علمت حال ذلك، وفي التعرض لوصف الربوبية مضافا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم.
* (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) * .
* (فاصدع بما تؤمر) * قال الكلبي: أي أظهره واجهر به يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا، ومن ذلك قيل للفجر صديع لظهوره.
وجوز أن يكون أمرا من صدع الزجاجة وهو تفريق أجزائها أي افرق بين الحق والباطل، وأصله على ما قيل الإبانة والتمييز، والباء على الأول صلة وعلى الثاني سببية، و * (ما) * جوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي بالذي تؤمر به فحذف الجار فتعدى الفعل إلى الضمير فصار تؤمره ثم حذف، ولعل القائل بذلك لم يعتبر حذفه مجرورا لفقد شرط حذفه بناء على أنه يشترط في حذف العائد المجرور أن يكون مجرورا بمثل ما جر به الموصول لفظا ومعنى ومتعلقا، وقيل: التقدير فاصدع بما تؤمر بالصدع به فحذفت الباء الثانية ثم الثالثة ثم لام التعريف ثم المضاف ثم الهاء، وهو تكلف لا داعي له ويكاد يورث الصداع، والمراد بما يؤمر به الشرائع مطلقا، وقول مجاهد: كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم إن المعنى اجهر بالقرآن في الصلاة يقتضي بظاهره التخصيص ولا داعي له أيضا كما لا يخفى، وأظهر منه في ذلك ما روي عن ابن زيد أن المراد * (بما تؤمر) * القرآن الذي أوحى إليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم إياه، وأن تكون مصدرية أي فاصدع بمأموريتك وهو الذي عناه الزمخشري بقوله: أي بأمرك مصدر من المبني للمفعول، وتعقبه أبو حيان بأنه مبني على مذهب من يجوز أن يراد بالمصدر أن والفعل المبني للمفعول والصحيح أن ذلك لا يجوز. ورد بأن الاختلاف في المصدر الصريح هل يجوز انحلاله إلى حرف مصدري وفعل مجهول أم لا إما أن الفعل المجهول هل يوصل به حرف مصدري فليس محل النزاع، فإن كان اعتراضه على الزمخشري في تفسيره بالأمر وأنه كان ينبغي أن يقول بالمأمورية فشيء