تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٨٢
وتعقب بأن فيه مع ما فيه من المشاركة لما سبق في عدم كون العذاب الذي شبه به العذاب المنذر واقعا ومعلوما للمنذرين أنه لا داعي إلى تخصيص وصف التعضية بهم وإخراج المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوة لهم في ذلك فإن وصفهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفوا به من السحر والشعر والكذب متفرع على وصفهم للقرآن بذلك وهل هو إلا نفس التعضية ولا إلى إخراجهم من حكم الإنذار، على أن ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يشبه به عذاب غيرهم ولا مخصوصا بهم بل هو عام لكلا الفريقين وغيرهم، مع أن بعض من عد من المنذرين على قول كالوليد بن المغيرة. والأسود. وغيرهما قد هلكوا قبل مهلك أكثر المقتسمين يوم بدر، ولا إلى تقديم المفعول الثاني على الأول كما ترى، وقيل: إنه صفة لمفعول * (النذير) * أقيم مقامه بعد حذفه والمقتسمون هم القاعدون في مداخل الطرق كما حرر، أي النذير عذابا مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين.
وتعقب أيضا بأن فيه مع ما مر أنه يقتضي أن يكون * (كما أنزلنا) * من مقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يصلح لذلك، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص الملك أمرنا بكذا والآمر الملك كما تقدم غير بعيد أو حكاية لقول الله تعالى، وفيه من التعسف ما لا يخفى، وأيضا فيه إعمال الوصف الموصوف في المفعول وهو مما لا يجوز.
وأجيب بأن الكوفية تجوزه والقائل بنى الكلام على ذلك أو أن المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وقيل: المراد بالمقتسمين على تقدير الوصفية الرهط الذين تقاسموا. على أن يبيتوا صالحا عليه السلام فأهلكهم الله تعالى، والاقتسام بمعنى التقاسم، ولا إشكال في التشبيه لأن عذابهم أمر محقق نطق به القرآن العظيم فيصح أن يقع مشبها به للعذاب المنذر، والموصول إما مفعول أول - للنذير - أو لما دل هو عليه من * (أنذر) *. وتعقب أيضا بأن فيه بعد إغماض العين عما في المفعولية من الخلاف أو الخفاء أنه لا يكون للتعرض لعنوان التعضية في حيز الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور في حيز المفعول الثاني فائدة لما أن ذلك إنما يكون للإشعار بعلية الصلة والصفة للحكم الثابت للموصول والموصوف فلا يكون هناك وجه شبه يدور عليه تشبيه عذابهم بعذابهم خاصة لعدم اشتراكهم في السبب، فإن المعضين بمعزل من التقاسم على التبيت الذي هو السبب لهلاك أولئك مع أن أولئك بمعزل من التعضية التي هي السبب لهلاك هؤلاء ولا علاقة بين السببين مفهوما ولا وجودا تصحح وقوع أحدهما في جانب والآخر في جانب، واتفاق الفريقين على مطلق الاتفاق على الشرور المفهوم من الاتفاق على الشر المخصوص الذي هو التبييت المدلول عليه بالتقاسم غير مفيد إذ لا دلالة لعنوان التعضية على ذلك وإنما يدل عليه اقتسام المداخل، وجعل الموصول مبتدأ على أن خبره الجملة القسمية لا يليق بجزالة التنزيل وجلالة شأنه الجليل اه‍، وهذا الجعل مروي عن ابن زيد، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البيهقي. وأبو نعيم في الدلائل ما يقتضيه، ومن هنا قيل بمنع عدم اللياقة، وبعض من يسلمها يقول: يجوز أن يكون الموصول صفة * (المقتسمين) * (الحجر: 90) مرادا بهم أولئك الرهط، ومعنى جعلهم القرآن عضين حكمهم بأنه مفترى وتكذيبهم به والمراد منه معناه اللغوي فيؤول إلى وصفهم بتكذيبهم بكتابهم وإعراضهم عن الإيمان به والعمل بما فيه، ويوافق ما مر من قوله تعالى فيهم وفي قومهم: * (وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين) * (الحجر: 81) بناء على أن المراد بالآيات آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليه السلام حسبما قيل به فيما سبق، وإن أبيت ذلك بناء على ما سمعت هنا لك التزمنا كون الموصول مفعولا وقلنا: فائدة التعرض للعنوانين المذكورين على الوجه المذكور الإشارة إلى تفظيع أمر التكذيب وكونه في سببيته للعذاب
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»