عن جابر بن زيد أن أربعين آية منها نزلت بمكة وبقيتها نزلت بالمدينة، وهي مائة وثمان وعشرون آية، قال الطبرسي. وغيره: بلا خلاف، والذي ذكره الداني في كتاب العدد أنها تسعون وثلاث وقيل أربع وقيل خمس في سائر المصاحف، وتحتوي من المنسوخ قيل على أربع آيات بإجماع وعلى آية واحدة على مختلف فيها، وسيظهر لك حقيقة الأمر في ذلك إن شاء الله تعالى، ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزؤن المكذبون له صلى الله عليه وسلم ابتدىء هنا بعد قوله تعالى:
* (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) * .
* (بسم الله الرحمان الرحيم) * بقوله عز وجل: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) * المناسب لذلك على ما ذكر غير واحد في معناه وسبب نزوله. وفي " البحر " في بيان وجه الارتباط أنه تعالى لما قال: * (فوربك لنسألنهم أجمعين) * (الحجر: 92) كان ذلك تنبيها على حشرهم يوم القيامة وسؤلهم عما فعلوه في الدنيا فقيل: * (أتى أمر الله) * فإن المراد به على قول الجمهور يوم القيامة، وذكر الجلال السيوطي أن آخر الحجر شديدة الالتئام بأول هذه فإن قوله سبحانه: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * (الحجر: 99) الذي هو مفسر بالموت ظاهر المناسبة بقوله سبحانه هنا: * (أتى أمر الله) * وانظر كيف جاء في المتقدمة * (يأتيك) * بلفظ المضارع وفي المتأخرة * (أتى) * بلفظ الماضي لأن المستقبل سابق على الماضي كما تقرر في محله، والأمر واحد الأمور وتفسيره بيوم القيامة كما قال في " البحر " وفسر بما يعمه وغيره من نزول العذاب الموعود للكفرة، وعن ابن جريج تفسيره بنزول العذاب فقط فقال: المراد بالأمر هنا ما وعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من النصر والظفر على الأعداء والانتقام منهم بالقتل والسبي ونهب الأموال والاستيلاء على المنازل والديار، وأخرج ابن جرير. وغيره عن الضحاك أن المراد به الأحكام والحدود والقرائض، وكأنه حمله على ما هو أحد الأوامر وفيما ذكره بعد إذ لم ينقل عن أحد أنه استعجل فرائض الله تعالى وحدوده سبحانه، والتعبير عن ذلك بأمر الله للتهويل والتفخيم، وفيه إيذان بأن تحققه في نفسه وإتيانه منوط بحكمه تعالى النافذ وقضائه الغالب، وإتيانه عبارة عن دنوه واقترابه على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع، وجوز أن يكون المراد إتيان مباديه فالماضي باق على حقيقته، ولعل ما أخرجه ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر الأمر بخروج النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد لما ذكر وبعضهم أبقى الفعل على معناه الحقيقي وزعم أن المعنى أتى أمر الله وعدا فلا تستعجلوه وقوعا وهو كما ترى، وظاهر صنيع الكثير يشعر باختيار أن الماضي بمعنى المضارع على طريق الاستعارة بتشبيه المستقبل المتحقق بالماضي في تحقق الوقوع والقرينة عليه قوله سبحانه فإنه لو وقع ما استعجل. وهو الذي يميل إليه القلب، والضمير المنصوب في * (تستعجلوه) * على ما هو الظاهر عائد على الأمر لأنه هو المحدث عنه، وقيل: يعود على الله سبحانه أي فلا تستعجلوا الله تعالى بالعذاب أو بإتيان يوم القيامة كقوله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب) * (الحج: 47) وهو خلاف الظاهر، لكن قيل: إن ذلك أوفق بما بعد، والخطاب للكفرة خاصة ويدل عليه قراءة ابن جبير * (فلا يستعجلوه) * على صيغة نهي الغائب، واستعجالهم وإن كان بطريق الاستهزاء لكنه حمل على الحقيقة ونهوا بضرب من التهكم لا مع المؤمنين سواء أريد بأمر الله تعالى ما قدمنا أو العذاب الموعود للكفرة خاصة، أما الأول: فلأنه