حادة أفيقال: إنه لم يأته عليه الصلاة والسلام حتى توفي ذلك اليقين ولذلك بقي في مشاق التكليف إلى أن قدم على رب العالمين؟ لا أرى أحدا يخطر له ذلك بجنان ولو طال سلوكه في مهامه الضلالة وبان. نعم ذكر بعض العلماء الكرام في قوله تعالى: * (ولقد نعلم) * الخ كلاما متضمنا شيئا مما يذكره الصوفية لكنه بعيد بمراحل عن مرام أولئك اللئام، ففي " الكشف " أنه تعالى بعدما هدم قواعد جهالات الكفرة وأبرق وأرعد بما أظهر من صنيعه بالقائلين نحو مقالات أولئك الفجرة فذلك الكلام بقوله سبحانه: * (ولقد نعلم) * (الحجر: 97) مؤكدا هذا التأكيد البالغ الصادر عن مقام تسخط بالغ وكبرياء لينفس عن حبيبه عليه الصلاة والسلام أشد التنفيس، ثم أرشد إلى ما هو أعلى من ذلك مما تأهله لمسامرة الجليس للجليس وقال تعالى: * (فسبح بحمد ربك) * إشارة إلى التوجه إليه بالكلية والتجرد التام عن الأغيار والتحلي بصفات من توجه إليه بحسن القبول والافتقار إذ ذلك مقتضى التسبيح والحمد لمن عقلهما، ثم قال سبحانه: * (وكن من الساجدين) * (الحجر: 98) دلالة على الاقتراب المضمر فيه لأن السجود غاية الذلة والافتقار وهو مظهر الفناء حتى نفسه وشرك البقاء بمن أمره بخمسه، وقوله تعالى شأنه: * (واعبد ربك) * (الحجر: 99) الخ ظاهره ظاهر وباطنه يومي إلى أن السفر في الله تعالى لا ينقطع والشهود الذي عليه يستقر لا يحصل أبدا فما من طامة إلا وفوقها طامة. إذا تغيبت بدا * وإن بدا غيبني وعن لسان هذا المقام * (رب زدني علما) * (طه: 114) اه، هذا ولا يخفى مما ذكره غير واحد من المفسرين مناسبة خاتمة هذه السورة لفاتحتها، وأن قوله سبحانه: * (ولقد نعلم) * (الحجر: 97) الخ في مقابلة * (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر) * (الحجر: 6) والله تعالى أعلم وأحكم.
ومن باب الإشارة فيما تقدم من الآيات: ما قالوه مما ملخصه * (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) * (الحجر: 49) أي أخبرهم بأني أغفر خطرات قلوب العارفين بعد إدراكهم مواضع خطرها وتداركهم ما هو مطلوب منهم وأرحمهم بأنواع الفيوضات وأوصلهم إلى أعلى المكاشفات والمشاهدات * (وأن عذابي هو العذاب الأليم) * (الحجر: 50) وهو عذاب الاحتجاب والطرد عن الباب.
وقال ابن عطاء هذه الآية إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الإرشاد كأنه قيل: أقم عبادي بين الخوف والرجاء ليصح لهم سبيل الاستقامة في الطاعة فإن من غلب عليه رجاؤه عطله ومن غلب عليه خوفه أقنطه وذكر بعضهم أن فيها إشارة إلى ترجيح جانب الخوف على الرجاء لأنه سبحانه أجرى وصفي الرحمة على نفسه عز وجل ولم يجر العذاب على ذلك السنن، وأنت تعلم أن المذكور في كثير من الكتب أنه ينبغي للإنسان أن يكون معتدل الرجاء والخوف إلا عند الموت فينبغي أن يكون رجاؤه أزيد من خوفه؛ وفي المقام كلام طويل يطلب من موضعه * (لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون) * قال النووي: أي بحياتك التي خصصت بها من بين العالمين، وقال القرشي: هذا قسم بحياة الحبيب صلى الله عليه وسلم. وإنما أقسم سبحانه بها لأنها كانت به تعالى * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * أي المتفرسين، وذكروا أن للفراسة مراتب فبعضها يحصل بعين الظاهر، وبعضها ما يدركه آذان العارفين مما ينطق به الحق بألسنة الخلق، وبعضها ما يبدو في صورة المتفرس من أشكال تصرف الحق سبحانه وانطاقه وجوده له حتى ينطق جميع شعرات بدنه بألسنة مختلفة فيرى ويسمع من ظاهر نفسه ما يدل على وقوع الأمور الغيبية، وبعضها ما يحصل بحواس الباطن حيث وجدت بلطفها أوائل المغيبات باللائحة، وبعضها ما يحصل من النفس الأمارة بما يبدو فيها من التمني والاهتزاز وذلك سر محبته فإن الله تعالى