تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٨٣
كالاقتسام على قتل النبي، ويلتزم ما يشعر به هذا من أفظعية الاقتسام المزبور لأنه لا يكون إلا عن تكذيب ومزيد عداوة للنبي، وفيه بحث، وقيل: المصحح لوقوع أحد العنوانين في جانب والآخر في جانب أن التكذيب ينجر بزعم المكذبين إلى إبطال أمر النبي عليه الصلاة والسلام وإطفاء نوره وهو العلة الغائية لذلك والاقتسام المذكور كذلك وهو كما ترى، وقال أبو البقاء وليته لم يقل: إن * (كما أنزلنا) * متعلق بقوله تعالى: * (متعنا به أزواجا منهم) * وهو في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي متعناهم تمتيعا كما أنزلنا، والمعنى نعمنا بعضهم كما عذبنا بعضهم. وذكر ابن عطية. وغيره أنه يحتمل أن يكون المعنى قل إني أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرا على المقتسمين أي أهل الكتاب، ومرادهم على ما قيل أن * (ما) * في * (كما) * موصولة، والمراد من المشابهة المستفادة من الكاف الموافقة وهي مع ما في حيزها في محل النصب على الحالية من مفعول * (قل) * أي قل هذا القول حال كونه كما أنزلنا على أهل الكتابين أي موافقا لذلك، والأنسب على هذا حمل الاقتسام على التحريف ليكون وصفهم بذلك تعريضا بما فعلوا من تحريفهم وكتمانهم لنعت النبي صلى الله عليه وسلم. وأنت تعلم أن فيه بعدا لكنه أولى بالنسبة إلى بعض ما تقدم، وقريب منه ما قيل: المعنى ولقد آتيناك سبعا من المثاني إيتاء موافقا للإيتاء الذي أنزلناه على أهل الكتابين وأخبرناهم به في كتبهم، وفيه ما فيه.
وأما جعلها زائدة والمعنى أنا النذير المبين ما أنزلنا فحاله غني عن التنبيه عليه، وقال العلامة أبو السعود بعد نقل أقوال عقبها بما عقبها: والأقرب من الأقوال المذكورة أن * (كما أنزلنا) * (الحجر: 90) متعلق بقوله تعالى: * (ولقد آتيناك) * (الحجر: 87) الخ، وإن المراد بالمقتسمين أهل الكتابين، وأن الموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامهم ومحل الكاف النصب على المصدرية، وحديث جلة المقام عن التشبيه من لوائح النظر الجليل.
والمعنى لقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم إيناء مماثلا لإنزال الكتابين على أهلهما، وعدم التعرض لذكر ما أنزل عليهم من الكتابين لأن الغرض بيان المماثلة بين الإيتائين لا بين متعلقيهما، والعدول عن تطبيق ما في جانب المشبه به على ما في جانب المشبه بأن يقال: كما آتينا المقتسمين حسبما وقع في قوله تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب) * الخ للتنبيه على ما بين الإيتائين من التنائي فإن الأول على وجه التكرمة والامتنان فشتان بينه وبين الثاني، ولا يقدح ذلك في وقوعه مشبها به فإن ذلك إنما هو لمسلميته عندهم، وتقدم وجوده على المشبه زمانا لا لمزية تعود إلى ذاته، ونظير ذلك ما قيل في الصلوات الإبراهيمية فليس في التشبيه إشعار بأفضلية المشبه به من المشبه فضلا عن إيهام ما تعلق به الأول مما تعلق به الثاني، وإنما ذكروا بعنوان الاقتسام إنكارا لاتصافهم به مع تحقق ما ينفيه من الإنزال المذكور وإيذانا بأنهم كان من حقهم أن يؤمنوا بكله حسب إيمانهم بما أنزل عليهم بحكم الاشتراك في العلة والاتحاد في الحقيقة التي هي مطلق الوحي، وتوسيط قوله تعالى: * (لا تمدن عينيك) * (الحجر: 88) الخ لكمال اتصاله بما هو المقصود من بيان حال ما أوتي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد بين أولا علو شأنه ورفعة مكانه صلى الله عليه وسلم بحيث يستوجب اعتباطه عليه الصلاة والسلام بمكانه واستغناءه به عما سواه، ثم نهى عن الالتفات إلى زهرة الدنيا وعبر سبحانه عن إيتائها لأهلها بالتمتع المنبىء عن وشك زوالها عنهم، ثم عن الحزن لعدم إيمان المنهمكين فيها، وأمر بمراعاة المؤمنين والاكتفاء بهم عن غيرهم وبإظهار قوامه بمواجب الرسالة ومراسم النذارة حسبما فصل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظم. ثم رجع
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»