تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٧٤
* (فأخذتهم الصيحة مشرقين) * . * (فأخذتهم الصيحة) * يعني صيحة هائلة، والتعريف للجنس، وقيل: صيحة جبريل عليه السلام فالتعريف للعهد؛ وقال الإمام: ليس في الآية دلالة على هذا التعيين فإن ثبت بدليل قوي قيل به.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في الآية: الصيحة مثل الصاعقة فكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة * (مشرقين) * داخلين في وقت شروق الشمس، قال المدقق: والجمع بين - مصبحين ومشرقين - باعتبار الابتداء والانتهاء بأن يكون ابتداء العذاب عند الصبح وانتهاؤه عند الشروق؛ وأخذ الصيحة قهرها إياهم وتمكنها منهم، ومنه الأخيذ الأسير، ولك أن تقول: * (مقطوع) * بمعنى يقطع عما قريب انتهى، وقيل: * (مشرقين) * حال مقدرة.
* (فجعلنا ع‍اليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) * .
* (فجعلنا عاليها) * أي المدينة كما هو الظاهر. وجوز رجوعه إلى القرى وان لم يسبق ذكرها والمراد بعاليها وجه الأرض وما عليه وهو المفعول الأول لجعل و * (سافلها) * الثاني له، وقد تقدم الكلام في ذلك * (وأمطرنا عليهم) * في تضاعيف ذلك * (حجارة) * كائنة * (من سجيل) * من طين متحجر وهو في المشهور معرب سنك كل، وذهب أبو عبيد وطائفة إلى أنه عربي وأنه يقال فيه * (سجين) * بالنون واحتجوا بقول تميم بن مقبل: ضربا تواصى به الأبطال سجينا وهو كما ترى. وسئل الأصمعي عن معناه في البيت فقال: لا أفسره إذ كنت أسمع وأنا حدث - سخينا - بالخاء المعجمة أي سخنا وسجين بالجيم أيضا، وقيل: هو مأخوذ من السجل وهو الكتاب أي من طين كتب عليه أسماؤهم أو كتب الله تعذيبهم به، وقد مر الكلام في ذلك أيضا.
* (إن فى ذلك لآي‍ات للمتوسمين) * .
* (إن في ذالك) * أي فيما ذكر من القصة * (لآيات) * لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق * (للمتوسمين) * قال ابن عباس: للناظرين، وقال جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما: للمتفرسين، وقال مجاهد: للمعتبرين، وقيل غير ذلك وهي معان متقاربة. وفي البحر التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب، وقال ثعلب: التوسم النظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف، قال الشاعر: أو كلما وردت عكاظ قبيلة * بعثوا إلى عريفهم يتوسم وذكر أن أصله التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة محماة في جلد البعير أو غيره، ويقال: توسمت فيه خيرا أي ظهرت علاماته لي منه، قال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني توسمت فيك الخير أعرفه * والله يعلم أني ثابت البصر والجار والمجرور في موضع الصفة * (لآيات) * أو متعلق به، وهذه الآية - على ما قال الجلال السيوطي - أصل في الفراسة، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى " ثم قرأ الآية وكان بعض المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام جريا على طريق إياس بن معاوية.
* (وإنها لبسبيل مقيم) * .
* (وإنها) * أي المدينة المهلكة وقيل القرى * (لبسبيل مقيم) * أي طريق ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها وقيل: الضمير للآيات، وقيل: للحجارة، وقيل: للصيحة أي وإن الصيحة صد لمن يعمل عملهم لقوله تعالى: * (وما هي من الظالمين ببعيد) * (هود: 83) و * (مقيم) * قيل * (إن فى ذلك لآية للمؤمنين) * .
* (إن في ذالك) * أي فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمرأى من الناس يشاهدونها عند مرورهم عليها * (لآية) * عظيمة * (للمؤمنين) * بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فانهم
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»