تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٨٩
إذا أراد فتح باب الغيب ألقى في النفس آثار بواديه إما محبوبة فتتمنى وإما مكروهة فتنفر فتفزع ولا يعرف ذلك إلا رباني الصفة، وبعضها ما يحصل للقلب إما بالإلهام وإما بالكشف، وبعضها ما يحصل للعقل وذلك ما يقع من أثقال الوحي الغيبي عليه، وبعضها ما يحصل للروح بالواسطة وغير الواسطة، وبعضها ما يحصل لعين السر وسمعه؛ وبعضها ما يحصل في سر السر ظهور عرائس أقدار الغيبة ملتبسات بأشكال إلهية ربانية روحانية فيبصر تصرف الذات في الصفات ويسمع الصفات بوصف الحديث والخطاب من الذات بلا واسطة وهناك منتهى الكشف والفراسة. وسئل الجنيل رضي الله تعالى عنه عن الفراسة فقال: آيات ربانية تظهر في أسرار العارفين فتنطق ألسنتهم بذلك فتصادف الحق، ولهم في ذلك عبارات أخر.
* (فاصفح الصفح الجميل) * روى عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: الصفح الجميل صفح لا توبيخ فيه ولا حقد بعده مع الرجوع إلى ما كان قبل ملابسة المالفة، وقيل: الصفح الجميل مواساة المذنب برفع الخجل عنه ومداواة موضع آلام الندم في قلبه * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * (الحجر: 87) وهي الصفات السبعة أعني الحياة والعلم والقدرة والإرادة والبصر والسمع والكلام، ومعنى كونها مثاني أنها ثمى وكرر ثبوتها له صلى الله عليه وسلم، فكانت له عليه الصلاة والسلام أولا: في مقام وجود القلب وتخلقه بأخلاقه واتصافه بأوصافه، وثانيا: في مقام البقاء بالوجود الحقاني، وقيل: معنى كونها مثاني أنها ثواني الصفات القائمة بذاته سبحانه عز وجل ومواليدها، وجاء " لا زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أجببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " الحديث * (والقرآن العظيم) * (الحجر: 87) وهو عندهم: الذات الجامع لجميع الصفات ضلا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * (الحجر: 88) إلى آخره. قال بعضهم في ذلك غار الحق سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام أن يستحسن من الكون شيئا ويعيره طرفه وأراد منه صلى الله عليه وسلم أن تكون أوقاته مصروفة إليه وحالاته موقوفة عليه وأنفاسه النفيسة حبيسة عنده، وكان صلى الله عليه وسلم كما أراد منه سبحانه ولذلك وقع في المحل الأعلى * (ما زاغ البصر وما طغى) * (النجم: 17) * (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * (الحجر: 98، 99) قد مر عن الكشف ما فيه مقنع لمن أراد الإشارة من المسترشدين، هذا وأسأل الله سبحانه أن يحفظنا من سوء القضا ويمن علينا بالتوفيق إلى ما يحب ويرضى بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين ما جرى في تفسير كتاب الله تعالى قلم.
سورة النحل وتسمى كما أخرج ابن أبي حاتم سورة النعم قال ابن الفرس: لما عدد الله تعالى فيها هن النعم على عباده، وأطلق جمع القول بأنها مكية وأخرج ذلك ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، وأخرج النحاس من طريق مجاهد عن الحبر أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلت بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد، وفي رواية عنه أنها كلها مكية إلا قوله تعالى: * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) * إلى قوله سبحانه: * (بأحسن ما كانوا يعملون) * (النحل: 95 - 97) وروى أمية الأزدي
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»