تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٨
الماضي لا حاجة إلى تقدير القول، والفاعل عليها هو الله تعالى أي أدخلهم الله سبحانه إياها * (بسلام) * أي ملتبسين به أي سالمين أو مسلما عليكم وعلى الأول يراد سلامتهم من الآفة والزوال في الحال، ويراد بالأمن في قوله سبحانه: * (آمنين) * الأمن من طرو ذلك في الاستقبال فلا حاجة إلى تخصيص السلامة بما يكون جسمانيا والأمن بغيره.
* (ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متق‍ابلين) * .
* (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * أي حقد، وأصله على ما قيل من الغلالة وهو ما يلبس بين الثوبين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما يستعار الدرع لها، وقيل: قيل للحقد غل أخذا له من انغل في كذا وتغلل إذا دخل فيه، ومنه قيل للماء الجاري بين الشجر غلل، وقد يستعمل الغل فيما يضمر في القلب مما يذم كالحسد والحقد وغيرهما، وهذا النزع قيل في الدنيا، فقد أخرج ابن أبي حاتم. وابن عساكر عن كثير النوا قال: قلت لأبي جعفر إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر. وعمر. وعلي رضي الله تعالى عنهم * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * قال: والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزلا إلا فيهم؟ قلت: وأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي كرم الله تعالى وجهه يسخن يده فيكوي بها خاصرة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فنزلت هذه الآية، ويشعر بذلك على ما قيل ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر. والحاكم. وغيرهم من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال لابن طلحة: إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى: * (ونزعنا) * الآية فقال رجل من همذان: إن الله سبحانه أعدل من ذلك فصاح علي كرم الله تعالى وجهه عليه صيحة تداعى لها القصر، وقال: فمن إذن إن لم نكن نحن أولئك؟ وقيل: إن ذلك في الآخرة بعد دخول الجنة، فقد أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه من طريق القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن حتى إذا تدانوا وتقابلوا على السر ونزع الله تعالى ما في صدورهم في الدنيا من غل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم بن رشيد قال: ينتهي أهل الجنة إلى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ الفيران فإذا دخلوها نزع الله تعالى ما في صدورهم من الغل، وقيل: فيها قبل الدخول، فقد أخرج ابن أبي حاتم أيضا عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل ".
وهذا ونحوه يؤيد ما قاله الإمام في المتقين، وقيل: معنى الآية طهر الله تعالى قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع سبحانه منها كل غل وألقى فيها التواد والتحاب، والآية ظاهرة في وجود الغل في صدورهم قبل النزع فتأمل.
* (إخوانا) * حال من الضمير في * (في جنات) * وهي حال مترادفة أن جعل * (ادخلوها) * حالا من ذلك أيضا أو حال من فاعل * (ادخلوها) * وهي مقدرة إن كان النزع في الجنة أو من ضمير * (آمنين) * أو الضمير المضاف إليه في * (صدورهم) * وجاز لأن المضاف بعض من ذلك وهي حال مقدرة أيضا، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: * (على سرر متق‍ابلين) * ويجوز أن يكون صفتين - لإخوانا - أو حالين من الضمير المستتر فيه لأنه في معنى
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»