تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٤
إليهم أتقياء موحدون كما لا يخفى على من سبر أحوالهم * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * (الحجر: 9) قال ابن عطاء: أي إنا نزلنا هذا الذكر شفاء ورحمة وبيانا للهدى فينتفع به من كان موسوما بالسعادة منورا بتقديس السر عن دنس المخالفة * (وإنا له لحافظون) * في قلوب أوليائنا فهي خزائن أسرارنا * (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين) * (الحجر: 16) إشار سبحانه إلى سماء الذات وبروج الصفات والجلال فيسير في ذلك القلب والسر والعقل والروح فيحصل للروح التوحيد والتجريد والتفريد وللعقل المعارف والكواشف وللقلب العشق والمحبة والخوف والرجاء والقبض والبسط والعلم والخشية والأنس والانبساط وللسر الفناء والبقاء والسكر والصحو * (وحفظناها من كل شيطان رجيم) * (الحجر: 17) إشارة إلى منع كشف جمال صفاته سبحانه وجلاله ذاته عز وجل عن أبصار البطالين والمدعين والمبطلين الزائغين عن الحق * (إلا من استرق السمع) * اختلس شيئا من سكان هاتيك الحضائر القدسية من الكاملين * (فأتبعه شهاب مبين) * (الحجر: 18) نار التحير فهلك في بوادي التيه أو صار غولا يضل السائرين السالكين لتحصيل ما ينفعهم، وقيل الإشارة في ذلك: إنا جعلنا في سماء العقل بروج المقامات ومراتب العقول من العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد وزيناها بالعلوم والمعارف للناظرين المتفكرين وحفظانا من شياطين الأوهام الباطلة إلا من اختطف الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل فأتبعه شهاب البرهان الواضح فطرده وأبطل حكمه اه‍ ولا يخفى مافي تزيين كل مرتبة من مراتب العقول المذكورة بالعلوم والمعارف للمتفكرين من النظر على من تفكر، وقيل: الإشارة إلى أنه تعالى جعل في سماء القلوب بروج المعارف تسير فيها سيارات الهمم، وجعلها زينة للناظرين إليها المطلعين عليها من الملائكة والروحانيين وحفظها من الشياطين فلودنا إبليس أو جنوده من قلب عارف احترق بنور معرفته ورد خاسئا.
* (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * (الحجر: 19) إشارة إلى أنه تعالى بسط بأنوار تجلى جماله وجلاله سبحانه أرض قلوب أولياه حتى أن العرش وما حوى بالنسبة إليها كحلقة في فلاة بل دون ذلك بكثير، وفي " الخبر ": " ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " ثم أنه تعال لما تجلى عليها تزلزلت من هيبته فألقى عليها رواسي السكينة فاستقرت وأنبت فيها بمياه بحار زلال نور غيبه من جميع نباتات المعارف والكواشف والمواجيد والحالات والمقامات والآداب وكل من ذلك موزون بميزان علمه وحكمته.
وقال بعضهم: نفوس العابدين أرض العبادة وقلوب العارفين أرض المعرفة وأرواح المشتاقين أرض المحبة، والرواسي الرجاء والخوف والرغبة والرهبة، والأزهار الأنوار التي أشرقت فيها من نور اليقين ونور العرفان ونور الحضور ونور الشهود ونور التوحيد إلى غير ذلك، وقيل: أشير بالأرض إلى أرض النفس أي بسطنا أرض النفس بالنور القلبي وألقينا فيها رواسي الفضائل وأنبتنا فيها كل شيء من الكمالات الخلقية والأفعال الإرادية والملكان الفاضلة والإدراكات الحسية معين مقدر بميزان الحكمة والعدل * (وجعلنا لكم فيها معايش) * بالتدابير الجزئية * (وم لستم له برازقين) * (الحجر: 20) ممن ينسب إليكم ويتعلق بكم، قال بعضهم: إن سبب العيش مختلف فعيش المريدين بيمن إقباله تعالى وعيش العارفين بلظف جماله سبحانه وعيش الموحدين بكشف جلاله جل جلاله.
* (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) * أي ما من شيء إلا له عندنا خزانة في عالم القضاء * (وما ننزله) * في عالم الشهادة * (إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 21) من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل حسبما يقتضيه استعداده، قيل: إن الإشارة في ذلك إلى دعوة العبادة إلى حقائق التوكل وقطع الأسباب والإعراض عن الأغيار، ومن هنا قال حمدون: إنه سبحانه
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»