قول الله تعالى له ذلك لم يكن بواسطة وهو منصب عال إذا كان على سبيل الاعظام والاجلال دون الإهانة والإذلال كما لا يخفى.
* (قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) * .
* (قال) * استئناف على نحو ما تقدم * (لم أكن لأسجد) * اللام لتأكيد النفي أي ينافي حالي ولا يستقيم مني أن أسجد * (لبشر) * جسماني كثيف * (خلقته من صلصال من حمإ مسنون) * إشارة إجمالية إلى ادعاء خيريته وشرف مادته، وقد نقل عنه لعنه الله تعالى التصريح بذلك في آية أخرى، وقد عنى اللعين بهذا الوصف بيان مزيد خسة أصل من لم يسجد له وحاشاه وقد اكتفى في غير موضع بحكاية بعض ما زعمه موجبا للخسة، وفي عدوله عن تطبيق جوابه على السؤال روم للتفصي عن المناقشة وأني له ذلك كأنه قيل: لم أمتنع عن الانتظام في سلك الساجدين بل عما لا يليق بشأني من السجود للمفضول، وقد أخطأ اللعين حيث ظن أن الفضل كله باعتبار المادة وما درى أنه يكون باعتبار الفاعل وباعتبار الصورة وباعتبار الغاية بل إن ملاك الفضل والكمال هو التخلي عن الملكات الردية والتحلي بالمعارف الربانية: فشمال والكاس فيها يمين * ويمين لا كاس فيها شمال ولله تعالى در من قال: كن ابن من شئت واكتسب أكدبا * يغنيك مضمونه عن النسب إن الفتى من يقول ها أنا ذا * ليس الفتى من يقول كان أبي على أن فيما زعمه من فضل النار على التراب منعا ظاهرا وقد تقدم الكلام في ذلك.
* (قال فاخرج منها فإنك رجيم) * .
* (قال) * استئناف كما تقدم أيضا * (فاخرج منها) * قيل: الظاهر أن الضمير للسماء وإن لم يجر لها ذكر، وأيد بظاهر قوله تعالى: * (فاهبط منها) * (الأعراف: 13) وقيل لزمرة الملائكة عليهم السلام ويلزم خروجه من السماء إذ كونه بانزاوئه عنهم في جانب لا يعد خروجا في المتبارد وكفى به قرينة، وقيل: للجنة لقوله تعالى: * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * ولوقوع الوسوسة فيها ورد بأن وقوعها كان بعد الأمر بالخروج * (فانك رجيم) * مطرود من كل خير وكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجارة فالكلام من باب الكناية، وقيل: أي شيطان يرجم بالشهب وهو وعيد بالرجم بها، وقد تضمن هذا الكلام الجواب عن شبهته حيث تضمن سوء حاله، فكأنه قيل: إن المانع لك عن السجود شقاوتك وسوء خاتمتك وبعدك عن الخير لا شرف عنصرك الذي تزعمه، وقيل: تضمنه ذلك لأنه علم منه أن الشرف بتشريف الله تعالى وتكريمه فبطل ما زعمه من رجحانه إذ أبعده الله تعالى وأهانه وقرب آدم عليه الصلاة والسلام وكرمه، وقيل: تضمنه للجواب بالسكوت كما قيل: جواب ما لا يرتضي السكوت، وفي تفسير الرجيم بالمرجوم بالشهب إشارة لطفية إلى أن اللعين لما افتخر بالنار عذب بها في الدنيا فهو: كعابد النار يهواها وتحرقه * (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) * .
* (وإن عليك اللعنة) * الأبعاد على سبيل السخط وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول فيضه تعالى وتوفيقه سبحانه، ومن الإنسان دعاء بذلك والظاهر أن المراد لعنة الله تعالى لقوله سبحانه: * (وإن عليك لعنتي) * * (إلى يوم الدين) * إلى يوم الجزاء، وفيه اشعار بتأخير جزائه إليه وإن اللغنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذ، وفيه من التهويل ما فيه، وجعل ذلك غاية أمد اللعنة قيل ليس لأنها تنقطع هنالك بل لأنه عند ذلك يعذب بما ينسى به اللعنة من افانين العذاب فتصير هي كالزائل، وقيل: إنما غيا بذلك لأنه أبعد