تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٦
أيضا لأنه لا غير هناك لأن في حقيقة جمع الجمع ترتفع الغيرية وتزول الإثنينية. وأنت تعلم أن هذا بمراحل عما يدل عليه كلامه وأن الغيرية إذا ارتفعت في هذا المقام ترتفع مطلقا فلا تبقى غيرية بين آدم وإبليس بل ولا بينهما وبين شخص من الأشخاص الخارجية والذهنية، ومن هنا قال قائلهم:
ما آدم في الكون ما إبليس * ما ملك سليمان وما بلقيس الكل عبارة وأنت المعنى * يا من هو للقلوب مغناطيس وقال الحسين بن منصور:
جحودي لك تقديس * وعقلي فيك منهوس فمن آدم الاك * ومن في البين إبليس وقد انتشر مثل هذا الكلام اليوم في الأسواق ومجالس الجهلة والفساق واتسع الخرق على الواقع وتفاقم الأمر وما له سوى الله تعالى من دافع * (فال فاخرج منها فإنك رجيم) * (الحجر: 34) طريد عن ساحة القرب إذ القرب يقتضي الامتثال وكلما ازداد العبد قربا من ربه ازداد خضوعا وخشوعا * (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) * (الحجر: 35) لم يد سبحانه أنه بعد ذلك يحصل له القرب خلافا لبعض أهل الوحدة بل أراد جل وعلا بعض ما قدمناه.
* (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض) * أي لأزينن لهم الشهوات في الحهة السفلية * (ولأغوينهم أجمعين) * (الحجر: 39) * (إلا عبادك منهم المخلصين) * الذين أخلصتهم لك واصطفيتهم لمحبتك أو المخلصين في طاعتهم لك ولا يلتفتون وحد سواك، وفيه من مدح الإخلاص ما فيه، وفي " الخبر " " العالم هلكى إلا العالمون والعالمون هلكى إلا العاملون والعاملون هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر " أي شرف عظيم كما ذكره السيد السند في بعض تعليقاته.
* (إن عبادي ليس عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * (الحجر: 42) أي الذي يناسبونك في الغوايم والبعد * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * (الحجر: 43) * (لها سبعة أبواب) * عدد الحواس الخمس والقوتين الشهوية والغضبية وهاتان القوتان بابان عظيمان للضلالة المفضية إلى النار. أخرج ابن جرير عن يزيد بن قسيط قال: كانت للأنبياء عليهم السلام مساجد خارجة من قراهم فإذا أراد أحدهم أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله تعالى ثم سأل ما بدا له فبينما نبي في مسجده إذ جاء إبليس حتى جلس بينه وبين القبلة فقال النبي: أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ثلاثا فقال إبليس: أخبرني بأي شيء تنجو مني؟ قال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم فأجد كل واحد منهما على صاحبه فقال النبي: إن الله تعالى يقول: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * (الحجر: 42) قال إبليس: قد سمعت هذا قبل أن تولد قال النبي: ويقول الله تعالى: * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) * (الأعراف: 20) وإني والله تعالى ما أحسست بك قط إلا اسعذت بالله تعالى منك قال إبليس: صدقت بهذا تنجو مني فقال النبي: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم قال: آخذه عند الغضب وعند الهوى * (لكل باب منهم جزء مقسوم) * (الحجر: 44) فيكون لكل باب فرقة تغلب عليها قوة ذلك الباب، نسأل الله تعالى أي يجيرنا منها بحرمة سيد ذوي الألباب صلى الله عليه وسلم.
* (إن المتقين في جنات وعيون) * أي مستقرون في ذلك خالدون فيه، والمراد بهم - على ما في الكشاف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - الذين اتقوا الكفر والفواحش ولهم ذنوب تكفرها الصلوات وغيرها، وفيه أن المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»