تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٦١
عند ابتداء دخولهم حيث دخلوا عليه عليه الصلاة والسلام بغير إذن وفي وقت لا يطرق في مثله، وتعقب بأنه لو كان كذلك لأجابوا حينئذ بما أجابوا به ولم يكن عليه السلام ليقرب إليهم الطعام، وأيضا قوله تعالى: * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة) * ظاهر فيما تقدم؛ ولعل هذا التصريح كان بعد الإيجاس.
وقيل: يحتمل أن يكون القول هنا مجازا بأن يكون قد ظهرت عليه عليه الصلاة والسلام مخايل الخوف حتى صار كالقائل المصرح به، وإنما لم يذكر هنا تقريب الطعام اكتفاء بذكره في غير هذا الموضع كما لم يذكر رده عليه السلام السلام عليهم لذلك، وقد تقدم ما ينفعك هنا مفصلا في هود فتذكره.
* (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغل‍ام عليم) * .
* (قالوا لا توجل) * لا تخف وقرأ الحسن * (لا توجل) * بضم التاء مبنيا للمفعول من الإيجال، وقرىء * (لا تواجل) * من واجله بمعنى أوجله و * (لا تاجل) * بإبدال الواو ألفا كما قالوا تابة في توبة.
* (إنا نبشرك) * استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل فإن المبشر لا يكاد يحوم حول ساحته خوف ولا حزن كيف لا وهي بشارة ببقائه وبقاء أهله في عافية وسلامة زمانا طويلا.
* (بغلام) * هو إسحاق عليه السلام لأنه قد صرح به في موضع آخر، وقد جعل سبحانه البشارة هنا لإبراهيم وفي آية أخرى لامرأته ولكل وجهة، ولعلها هنا كونها أوفق بإنباء العرب عما وقع لجدهم الأعلى عليه السلام، ولعله سبحانه لم يتعرض ببشارة يعقوب اكتفاء بما ذكر في سورة هود، والتنوين للتعظيم أي بغلام عظيم القدر * (عليم) * ذي علم كثير، قيل: أريد بذلك الإشارة إلى أنه يكون نبيا فهو على حد قوله تعالى: * (وبشرناه بإسحاق نبيا) *.
* (قال أبشرتمونى على أن مسنى الكبر فبم تبشرون) * .
* (قال أبشرتموني) * بذلك * (على أن مسني الكبر) * وأثر في والاستفهام للتعجب، و * (على) * بمعنى مع مثلها في قوله تعالى: * (وآتى المال على حبه) * (الحجر: 54) على أحد القولين في الضمير، والجار والمجرور في موضع الحال فيكون قد تعجب عليه السلام من بشارتهم إياه مع هذه الحال المنافية لذلك، ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار و * (على) * على ما سمعت بمعنى أنه لا ينبغي أن تكون البشارة مع الحال المذكورة. وزعم بعض المنتمين إلى أهل العلم أن الأولى جعل * (على) * بمعنى في مثلها في قوله تعالى: * (ودخل المدينة على حين غفلة) * (القصص: 15) وقوله سبحانه: * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) * (البقرة: 102) لوجهين الاستغناء عن التقدير وكون المصاحبة لصدقها بأول المس لا تنافي البشارة، وهو لعمري ضرب من الهذيان كما لا يخفى على إنسان. ثم إنه عليه السلام زاد في ذلك فقال: * (فبم تبشرون) * أي فبأي أعجوبة تبشرون أو بأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يقع عادة بشارة بغير شيء. وجوز أن تكون الباء للملابسة والاستفهام سؤال عن الوجه والطريقة أي تبشرون ملتبسين بأي طريقة ولا طريق لذلك في العادة.
وقرأ الأعرج * (بشرتمون) * بغير همزة الاستفهام، وابن محيصن * (الكبر) * بضم الكاف وسكون الباء.
وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة بدون ياء على إدغام نون الجمع في نون الوقاية والاكتفاء بالكسرة عن الياء.
وقرأ نافع بكسر النون مخففة، واعترض على ذلك أبو حاتم بأن مثله لا يكون إلا في الشعر وهو مما لا يلتفت إليه، وخرج على حذف نون الرفع كما هو مذهب سيبويه استثقالا لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء. وقيل: حذفت نون الوقاية وكسرت نون الرفع وحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذفها كذلك كثير فصيح وقد قرىء به في مواضع عديدة، ورجح الأول بقلة المؤنة واحتمال عدم حذف نون في هذه القراءة بأن يكون اكتفى بكسر نوع الرفع من أول الأمر خلاف المنقول في كتب النحو والتصريف وإن ذهب إليه بعضهم.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»