تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٨٤
سلكت الخيط في الإبرة سلكا لا لازم من سلك في الطريق سلوكا، ومفعوله محذوف أي فاسلكي ما أكلت في مسالكه التي يستحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك.
وتعقب بأن السلك في تلك المسالك ليس فيه لها اختيار حتى تؤمر به فلا بد أن يكون الأمر تكوينيا، ورد بأنه ليس بشيء لأن الإدخال باختيارها فلا يضره كون الإحالة المترتبة عليه ليست اختيارية وهو ظاهر فليس كما زعم * (ذللا) * أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك فهو جمع ذلول حال من السبل وروى هذا عن مجاهد.
وجعل ابن عبد السلام وصف السبل بالذلل دليلا على أن المراد بالسبل مسالك الغذاء لا طرق الذهاب أو الإياب قال: لأن النحل تذهب وتؤب في الهواء وهو ليس طرقا ذللا لأن الذلول هو الذي يذلل بكثرة الوطء والهواء ليس كذلك وفيه نظر.
وقال قتادة: أي مطيعة منقادة فهو حال من الضمير في * (فاسلكي) * * (يخرج من بطونها) * استئناف عدل به عن خطاب النحل إلى الكلام مع الناس لبيان ما يظهر منها من تعاجيب صنع الله تعالى التي هي موضع عبرتهم بعد ما أمرت بما أمرت * (شراب) * يعني العسل، وسمي بذلك لأنه مما يشرب حتى قيل: إنه لا يقال: أكلت عسلا وإنما يقال: شربت عسلا، وكأنه سبحانه إنما لم يعبر بالإخراج مسندا إليه تعالى اكتفاءا بإسناد الإيحاء بالمبادىء إليه جل شأنه وفيه إيذان بعظيم قدرته عز وجل بحيث أن ما يشعر بإرادة الشيء كاف في حصوله.
و * (من) * لابتداء الغاية، وذكر سبحانه مبدأ الغاية الأولى وهي البطون ولم يذكر سبحانه مبدأ الغاية الأخيرة والجمهور على أنه يخرج من أفواهها، وزعم بعضهم أنه أبلغ في القدرة، وبيت الحريري على ذلك وكذا قول الحسن: لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عابه مسلم، وقيل: من أدبارها وهو ظاهر ما روى عن يعسوب المؤمنين كرم الله تعالى وجهه.
وقال آخرون: لا ندري إلا ما ذكره الله تعالى. وحكى أن سليمان عليه السلام. والإسكندر. وأرسطو صنعوا لها بيوتا من زجاج لينظروا إلى كيفية صنيعها وهل يخرج العسل من فيها أم من غيره فلم تضع من العسل شيئا حتى لطخت باطن الزجاج بالطين بحيث يمنع المشاهدة، وقال بعضهم: المراد بالبطون الأفواه، وسمي الفم بطنا لأنه في حكمه ولأنه مما يبطن ولا يظهر، وهذا تأويل من ذهب إلى أنها تلتقط الذراة الصغيرة من الطل وتدخرها في بيوتها وهو العسل. وأنت تعلم أن الظاهر من البطن الجارحة المعروفة فالآية تؤيد القول المشهور في تكون العسل. وفي " الكشف " أن في قوله تعالى: * (ثم كلى) * إشارة لى أن لمعدة النحل في ذلك تأثيرا وهو المختار عند المحققين من الحكماء، ومن جعل العسل نباتيا محضا وفسر البطون بأفواه النحل فليست شعري ماذا يصنع بقوله سبحانه: * (ثم كلي) * وأجيب بأنه يفسر الأكل بالالتقاط وهو كما ترى أن دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، ومن الناس من زعم أنها تجتني زهرا وطلا فالمجتنى من الزهر نفسه يكون عسلا والمجتنى من الطل يكون موما والعقل يجوز العكسل ولعله أقرب من ذلك * (مختلف ألوانه) * بالبياض والصفرة والحمرة والسواد إما لمحض إرادة الصانع الحكيم جل جلاله وإما لاختلاف المرعى أو لاختلاف
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»