الفصل أو لاختلاف سن النحل، فالأبيض لفتيها والأصفر لكلها والأحمر لمسنها والأسود للطاعن في ذلك جدا.
وتعقب بأنه مما لا دليل عليه، وقد سألت جمعا ممن أثق بهم قد اختبروا أحوالها فذكروا أنهم قد استقرؤا وسبروا فرأوا أقوى الأسباب الظاهرة لاختلاف الألوان اختلاف السن بل قال بعضهم: ما علمنا لذلك سببا إلا هذا بالاستقراء، وحينئذ يكون ما ذكر مؤيدا للقول المشهور في تكون العسل كما لا يخفى على من له أدنى ذوق.
* (فيه شفاء للناس) * أما بنفسه كما في الأمراض البلغمية أو مع غيره كما في سائر الأمراض إذ قلما يكون معجون لا يكون فيه عسل فله دخل في أكثر ما به الشفاء من المعاجين والتراكيب، وقيل عليه: إن دخوله في ذلك لا يقتضي أن يكون له دخل في الشفاء بل عدم الضرر إذ قيل: إن إدخاله في التراكيب لحفظها ولذا ناب عنه في ذلك السكر، والذي رأيناه في كثير من كتب الطب أنه يحفظ قوى الأدوية طويلا ويبلغها منافعها، ولا يخفى على المنصف أن ما يحفظ القوى ويبلغ منافع الدواء يصدق عليه أن له دخلا في الشفاء، ولم يشتهر أن السكر ينوب منابه في ذلك.
وفي " البحر " أن العسل موجود كثيرا في أكثر البلاد وأما السكر فمختص به بعض البلاد وهو محدث مصنوع للبشر، ولم يكن فيما تقدم من الأزمان يجعل في الأدوية والأشربة إلا العسل اه، وفي " شرح الشمائل " أنه عليه الصلاة والسلام لم يأكل السكر، وذكر غير واحد أنه ليس المراد بالناس هنا العموم لأن كثيرا من الأمراض لا يدخل في دوائها العسل كأمراض الصفراء فإنه مضر للصفراوي، ولو يسلم أن السكنجبين الذي هو خل وعسل كما ينبىء عنه أصل معناه نافع له، والنافع نوع آخر من السكنجبين فإنه نقل إلى ما ركب من حامض وحلو، وله أنواع كثيرة ألفت في جمعها الرسائل حتى قالوا بحرمة تناوله عليه وإنما المراد بالناس الذين ينجع العسل في أمراضهم. والتنوين في * (شفاء) * إما للتعظيم أي شفاء أي شفاء، وإما للتبعيض أي فيه بعض الشفاء فلا يقتضي أن كل شفاء به ولا أن كل أحد يستشفى به.
ولا يرد أن اللبن أيضا كذلك بل قلما يوجد شيء من العقاقير إلا وفيه شفاء للناس بهذا المعنى لما قيل: إن التنصيص على هذا الحكم فيه لإفادة ما يكاد يستبعد من اشتمال ما يخرج على اختلاف ألوانه من هذه الدودة التي هي أشبه شيء بذوات السموم ولعلها ذات سم أيضا فإنها تلسع وتؤلم وقد يرم الجلد من لسعها وهو ظاهر في أنها ذات سم على * (شفاء للناس) * ويفهم من ظاهر بعض الآثار أن الكلام على عمومه. فقد أخرج حميد بن زنجويه عن نافع أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا حتى الدمل إذا كان به طلاه عسلا فقلنا له: تداوى الدمل بالعسل؟ فقال: أليس الله تعالى يقول: * (فيه شفاء للناس) *؟.
وأنت تعلم أنه لا بأس بمداواة الدمل بالعسل فقد ذكر الأطباء أنه ينقي الجروح ويدمل ويأكل اللحم الزائد. والحق أنه لا مساغ للعموم إذ لا شك في وجود مرض لا ينفع فيه العسل، والآثار المشعرة بالعموم الله تعالى أعلم بصحتها. وأما ما أخرجه أحمد. والبخاري. ومسلم. وابن مردويه " عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلا فسقاه عسلا ثم جاء فقال: سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا قال: اذهب فاسقه عسلا فسقاه عسلا ثم جاء فقال: ما زاده إلا