تباين الحال بين جنابه تعالى شأنه وبين ما أشركوه به سبحانه وينادي بفساد ما هم عليه نداء جليا * (عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) * بدل من مثلا وتفسير له والمثل في الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصف العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر لاشتراكهما في كونهما عبدا الله تعالى، وقد أدمج فيه على ما قيل إن الكل عبيد له تعالى وبعدم القدر لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف في الجملة، وفي إبهام المثل أولا ثم بيانه بما ذكر ما لا يخفى من الجزالة * (ومن رزقناه) * * (من) * نكرة موصوفة على ما استظهره الزمخشري ليطابق * (عبدا) * فإنه أيضا نكرة موصوفة وإلى ذلك ذهب أبو البقاء، وقال الحوفي: هي موصولة واستظهره أبو حيان، وزعم بعضهم ان ذلك لكون استعمالها موصولة أكثر من استعمالها موصوفة، والأول مختار الأكثرين أي حرا رزقناه بطريق الملك؛ والالتفات إلى التكلم للإشعار باختلاف حال ضرب المثل والرزق، وفي اختيار ضمير العظمة تعظيم لأمر ذلك الرزق ويزيد ذلك تعظيما قوله سبحانه: * (منا) * أي من جنابنا الكبير المتعالي * (رزقا حسنا) * حلالا طيبا أو مستحسنا عند الناس مرضيا ويؤخذ منه على ما قيل كونه كثيرا بناء على أن القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذتها * (فهو ينفق منه) * تفضلا وإحسانا، والفاء لترتب الانفاق على الرزق كأنه قيل: ومن رزقناه منا رزقا حسنا فأنفق وإيثار المنزل من الجملة الاسمية الفعلية الخبر للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجددي * (سرا وجهرا) * أي حال السر وحال الجهر أو إنفاق سر وإنفاق جهر والمراد بيان عموم انفاقه للأوقات وشمول انعامة لمن يجتنب عن قبوله جهرا.
وجوز أن يكون وصفه بالكثرة مأخوذا من هذا بناء أن المراد منه كيف يشاء وهو يدل على انحاء التصرف وسعة المتصرف منه، وتقديم السر على الجهر للإيذان بفضله عليه، وقد مر الكلام في ذلك؛ والعدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال: وحرا مالكا للأموال مع كونه أدل على تباين الحال بينه وبين قسيمه لما في ارشاد العقل السليم من توخي تحقيق الحق بأن الأحرار أيضا تحت ربقة عبوديته تعالى وأن مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل في ذلك مع محاولة المبالغة في الدلالة على ما قصد بالمثل من تباين الحال بين الممثلين فإن العبد المملوك حيث لم يكن مثل العبد المالك فما ظنك بالجماد ومالك الملك خلاق العالمين * (هل يستوون) * جمع الضمير وأن تقدمه اثنان وكان الظاهر - يستويان - للإيذان بأن المراد بما ذكر من اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لا فردان معينان منهما وان أخرج ابن عساكر. وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا وفي عبده أبي الجوزاء الذي كان بنهاه والله تعالى أعلم بصحته. وقيل نزلت في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وعبد له ولا يصح إسناده كما في البحر، وفيه أنه يحتمل أن يكون الجمع باعتبار أن المراد - بمن - الجمع وأن يكون باعتبار عود الضمير على العبيد والأحرار وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة * (عبد مملوك. ومن رزقناه) * عليهما، والمعول عليه ما ذكر أولا، والمعنى هل يستوي العبيد والأحرار الموصوفون بما ذكر من الصفات مع أن الفريقين سيان في البشرية والمخلوقية لله سبحانه وأن ما ينفقه الأحرار ليس مما لهم دخل في إيجاده ولا تملكه بل هو مما أعطاه الله تعالى إياهم فحيث لم يستو الفريقان فما ظنكم برب العالمين حيث تشركون به ما لا ذليل