تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٧٩
سهل المرور في حلقهم لدهنيته. أخرج ابن مردويه عن يحيى بن عبد الرحمن ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أشرب أحد لبنا فشرق إن الله تعالى يقول لبنا خالصا سائغا للشاربين ".
وقرأت فرقة * (سيغا) * بتشديد الياء. وقرأ عيسى بن عمر " سيغا " مخففا من سيغ كهين المخفف من هين. واستدل بالآية على طهارة لبن المأكول وإباحة شربه، وقد احتج بعض من يرى على أن المني طاهر على من جعله نجسا لجريه في مسالك البول بها أيضا وأنه ليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر كما خرج اللبن من بين فرث ودم طاهرا وفي " التفسير الكبير " قال أهل التحقيق: اعتبار حدوث اللبن كما يدل على وجود الصانع المختار يدل على إمكان الحشر والنشر، وذلك لأن هذا العشب الذي يأكله الحيوان إنما يتولد من الماء والأرض فخالق العالم دبر تدبيرا انقلب به لبنا ثم دبر تدبيرا آخر حدث من ذلك البلن الدهن والجبن، وهذا يدل على أنه تعالى قادر على أن يقلب هذه الأجسام من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة؛ فإذا كان كذلك لم يمتنع أيضا أن يكون قادرا على أن يقلب أجزاء أبدان الأموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك فهذا الاعتبار يدل من هذا الوجه على أن البعث والقيامة أمر ممكن غير ممتنع.
* (ومن ثمرات النخيل والاعن‍ابتتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن فى ذالك لآية لقوم يعقلون) * .
* (ومن ثمرات النخيل والأعن‍اب) * متعلق بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وحذف لدلالة * (نسقيكم) * قبله عليه، وقوله تعالى: * (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * بيان وكشف عن كنه الإسقاء أو - بتتخذون - و * (منه) * من تكرير الظرف للتأكيد كما في قولك زيد في الدار فيهاأو خبر لمحذوف صفته * (تتخذون) * أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وضمير * (منه) * عائد إما على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤولة بالثمر لأنه جمع معرفة أريد به الجنس، وفائدة الصيغة الإشارة إلى تعداد الأنواع أو على ثمر المقدر، و * (السكر) * الخمر قال الأخطل: بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم * إذا جرى فيهم المزاء والسكر وهو في الأصل مصدر سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا. واستشهد له بقوله: وجاؤنا بهم سكر علينا * فأجلى اليوم والسكران صاحي وفسروا الرزق الحسن بالخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، وإليه ذهب " صاحب الكشاف " وقد ذكر في توجيه إعرابها ما ذكرناه، وقدم الوجه الأول من أوجه الثلاثة وهو ظاهر في ترجيحه وصرح به الطيبي وبينه بما بينه، وأخر الثالث وهو ظاهر في أنه دون أخويه. وفي " الكشف " بعد نقل كلامه في الوجه الأول فيه إضمار العصير وأنه لا يصلح عطفا في الظاهر على السابق لأنه لا يصلح بيانا للعبرة في الإنعام، وفيه أن * (تتخذون) * لا يصلح كشفا عن كحنه الإسقاء كيف وقد فسر الرزق الحسن بالتمر والزبيب أيضا وأي مدخل للعصير وأين هذا البيان من البيان بقوله تعالى: * (نسقيكم) * ليجعل مدركا لترجيحه فهذا وجه مرجوح مؤول بأنه عطف على مجموع السابق، وأوثر الفعلية لمكان قربه من * (نسقيكم) * وقوله تعالى: * (تتخذون منه سكرا) * تم البيان عنده ثم أتى بفائدة زائدة، وأظهر الأوجه ما ذكر آخر أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون ليكون عطفا للإسمية على الإسمية أعني قوله تعالى: * (وإن لكم في الانعام لعبرة) * ولما لم يكن العبرة فيه كالأول اكتفى بكونه عطفا على ما هو عبرة ولم يصرح، وأفيد بالتبعيض
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»