والمعبودية الخاصة بذاته تعالى لذاته بعض مخلوقاته الذي هو بمعزل عن درجة الاعتبار، وهو على ما صرح به جماعة على شاكلة قوله تعالى: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء) * (الروم: 28) يعنون بذلك أنه مثل ضرب لكمال قباحة ما فعلوه، وفي قوله تعالى: * (أفبنعمة الله يجحدون) * قرينة - كما قيل - على ذلك، وكذا في قوله تعالى: * (فلا تضربوا لله الأمثال) * (النحل: 74) والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر وهي داخلة في الحقيقة على الفعل أعني * (يجحدون) * ولتضمن الجحود معنى الكفر جىء بالباء في معموله المقدم عليه للاهتمام أو لإيهام الاختصاص مبالغة أو لرعاية رؤوس الآي، والمراد بالنعمة قيل الرزق وقيل ولعله الأولى: ما يشمله وغيره من النعم الفائضة عليهم منه سبحانه أي يشركون به تعالى فيجحدون نعمته تعالى حيث يفعلون ما يفعلون من الإشراك فإن ذلك يقتضي أن يضيفوا ما أفيض عليهم من الله تعالى من النعم إلى شركائهم ويجحدوا كونها من عنده جل وعلا، وجوز كون المراد بنعمة الله تعالى ما أنعم سبحانه به من إقامة الحجج وإيضاح السبل وإرسال الرسل عليهم السلام ولا نعمة أجل من ذلك، فمعنى جحودهم ذلك إنكاره وعدم الالتفات إليه، وصيغة الغيبة لرعاية " فما الذين " وقرأ أبو بكر عن عاصم. وأبو عبد الرحمن. والأعرج بخلاف عنه " تجحدون " بالتاء على الخطاب رعاية لبعضكم، هذا وجوز أن يكون معنى الآية أن الله تعالى فضل بعضا على بعض في الرزق وأن المفضلين لا يردون من رزقهم على من دونهم شيئا وإنما أنا رازقهم فالمالك والمملوك في أصل الرزق سواء وإن تفاوتا كما وكيفا، والمراد النهي عن الإعجاب والمن اللذين هما مقدمتا الكفران.
والعطف على مقدر أيضا أي أيعجبون ويمنون فيجحدون نعمة الله تعالى عليهم، وقيل: التقدير ألا يفهمون فيجحدون؛ واختار في " الكشاف " أن المعنى أنه سبحانه جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهو بشر مثلكم وإخوانكم وكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تساووا في الملبس والمطعم كما يحكى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت، وحاصله أن الله تعالى فضلكم على أمثالكم فكان عليكم أن تردوا من ذلك الفضل عليهم شكرا لنعمته تعالى لتكونوا سواء في ذلك الفضل ويبقى لكم فضل الإفضال والتفضل.
فالآية حث على حسن الملكة وأدمج أنهم وعبيدهم مربوبون بنعمته تعالى ذلك مع تقلبهم فيها ليكون تمهيدا لكفرانهم نعمه سبحانه السوابغ إلى أن جعلوا له عز وجل أندادا لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا فعبدوها عبادته تعالى أو أشد وأسد، وفي ذلك من البعد ما فيه، والعطف فيه على مقدر أيضا كألا يعرفون ذلك فيجحدون.
* (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفب الباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون) * .
* (والله جعل لكم من أنفسكم) * أي من جنسكم ونوعكم وهو مجاز في ذلك، والأشهر من معاني النفس الذات ولا يستقيم هنا كغيره فلذا ارتكب المجاز وهو إما في المفرد أو الجمع، واستدل بذلك بعضهم على أنه لا يجوز للإنسان أن ينكح من الجن * (أزواجا) * لتأنسوا بها وتقيموا بذلك مصالحكم ويكون أولادكم أمثالكم.
وأخرج غير واحد عن قتادة أن هذا خلق آدم وحواء عليهما السلام فإن حواء خلقت من نفسه عليه السلام، وتعقب بأنه لا يلائمه جمع الأنفس والأزواج، وحمله على التغليب تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما بعض الأنفس وبعض الأزواج * (وجعل لكم من أزواجكم) * أي منها فوضع الظاهر