وهو معدى بالهمزة من فرط إلى كذا تقدم إليه، ومنه أنا " فرطكم على الحوض " أي متقدمكم وكثيرا ما يقال للمتقدم إلى الماء لإصلاح نحو دلو فارط وفرط، وأنشدوا للقطامى:
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا * كما تعجل فراط لوراد وقال مجاهد، وابن جبير. وابن أبي هند: أي متركون في النار منسيون فيها أبدا من أفرطت فلانا خلفي إذا تركته ونسيته. وقرأ ابن عباس. وابن مسعود. وأبو رجاء. وشيبة. ونافع. وأكثر أهل المدينة * (مفرطون) * بكسر الراء اسم فاعل من أفرط اللازم إذا تجاوز أي متجاوزو الحد في معاصي الله تعالى. وقرأ أبو جعفر * (مفرطون) * بتشديد الراء وكسرها من فرط في كذا إذا قصر أي مقصرون في طاعة الله تعالى، وعنه أنه قرأ * (مفرطون) * بتشديد الراء وفتحها من فرطته المعدي بالتضعيف من فرط بمعنى تقدم أي مقدمون إلى النار.
* (ت الله لقد أرسلنآ إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطن أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم) * .
* (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يناله من جهالات قومه الكفرة ووعيد لهم على ذلك، ولا يخفى ما في ذلك من عظيم التأكيد أي أرسلنا رسلا إلى أمم من قبل أمتك أو من قبل إرسالك إلى هؤلاء فدعوهم إلى الحق * (فزين لهم الشيطان أعمالهم) * القبيحة فلم يتركوها ولم يمتثلوا دعوة الرسل عليهم السلام، وقد تقدم الكلام في نسبة التزيين إلى الشيطان * (فهو وليهم) * أي قرين الأمم وبئس القرين أو متولي إغوائهم وصرفهم عن الحق * (اليوم) * أي يوم زين الشيطان أعمالهم فيه، وهو وإن كان ماضيا واليوم المعرف معروف في زمان الحال كالآن لكن صور بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة ويتعجب منها، وسمي مثل ذلك حكاية الحال الماضية وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما أي فهو وليهم في الدنيا * (ولهم) * في الأخرى * (عذاب أليم) * وهو عذاب النار، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيرا فهو مجاز متعارف وليس فيه حكاية لما مضى أو يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكن صور بصورة الحال استحضارا له كما في الوجه الأول إلا أنه حكاية حال آتية وفي الأول حكاية حال ماضية وليس من مجاز الأول، والولي على هذا بمعنى الناصر أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم غيره وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حد قوله: وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس ولا يجوز أن يكون بمعنى المتولي للإغواء إذ لا إغواء ثمة ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل من النار، وجوزه بعضهم باعتبار أنه معهم في النار في الجملة ولا يضر اختلافهم في الدركات، والظاهر أن ضمائر الجمع كلها للأمم كما أشرنا إليه في بعضها، وجوز الزمخشري أن يكون ضمير * (وليهم) * المضاف إليه لقريش لا للأمم و * (اليوم) * بمعنى الزمان الذي وقع فيه الخطاب أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم. وأن يكون الضمير للمتقدمين، والكلام على حذف مضاف أي ولي أمثالهم، والمراد من الأمثال قريش.
وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه بعدا لاختلاف الضمائر من غير داع إليه ولا إلى تقدير المضاف. ورد بأن لفظ اليوم داع إليه، وقال الطيبي: إنه الوجه وعليه النظم الفائق لأن في تصدير القسمية بقوله تعالى: