تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٠٠
بمياه الجنة والاخبار بامتيازها على ما عداها ومثله كثير في الكلام. والثاني ما ذكره القاضي عياض أن الإيمان عم بلادها وأن الأجسام المتغذية منها صائرة إلى الجنة وهذا ليس بشيء، ولو رد إلى اعتبار التشبيه أي أنها مثل أنها الجنة في أن المتغذين من مائها المؤمنون لكان أوجه، وقال النووي: الأصح أن الكلام على ظاهره وأن لنا مادة من الجنة وهي موجودة اليوم عند أهل السنة.
ويأبى التأويل الأول ما في صحيح مسلم أيضا من حديث الإسراء وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالفرات والنيل، وضمير أصلها السدرة المنتهى كما جاء مبينا في صحيح البخاري وغيره.
والقاضي عياض قال هنا: إن هذا الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها. وتعقبة النووي بأن ذلك ليس بلازم بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تسير حيث أراد الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، هذا لا يمنعه عقل ولا شرع وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه، قيل: ولعل الله تعالى يوصل مياه هاتيك الأنهار بقدرته الباهرة إلى محالها التي يشاهد خروجها منها من حيث لا يراها أحد وما ذلك على الله بعزيز، والظاهر أن المراد أصل مياها الخارجة من محالها لا هي وما ينضم إليها من السيول وغيرها، وكأني أرى بعض الناس ليسني يلتزم ذلك في جميع ما يجري في هاتيك الأنهار، وبعضهم أيضا يجعل الأخبار في هذا الشأن إشارات إلى أمور أنفسية فقط وليس مما ترتضيه إلا نفس المرضية. نعم أنا لا أمنع التأويل مع بقاء الأمر أفاقيا وليس عدم اعتقاد الظاهر مما يخل بالدين كما لا يخفى على من لا تعصب عنده.
وللأخباريين في هذه الأنهار كلام طويل تمجه أسماع ذوي الألباب ولا يجري في أنهار قلوبهم ولا أراه يصلح إلا للالقاء في البحر.
وجاء في بعض الأخبار مرفوعا " نهران مؤمنان ونهران كافران أما المؤمنان فالنيل والفرات وأما الكافران فدجلة وجيحون " وحمل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم شبه النهرين الأولين لنفعهما بسهولة بالمؤمن والنهرين الأخيرين بالكافر لعدم نفعهما كذلك أنهما إنما يخرج في الأكثر ماؤهما بآلة ومشقة وإلا فوصف ذلك بالإيمان والكفر على الحقيقة غير ظاهرخ ثم ان أفضل الأنهار كما قال وادح النيل وباقيها على السواء. وزاد بعضهم في عداد ما هو من الجنة دجلة وروى في ذلك خبرا عن مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وليس مما يعول عليه، والله تعالى أعلم * (ومن كل المرات) * متعلق - يجعل - في قوله تعالى: * (جعل فيها زوجين اثنين) * أي اثنينية حقيقية وهما الفردان اللذان كل منهما زوج الآخر وأكد به الزوجين لئلا يفهم ان المراد بذلك الشفعان إذ يطلق الزوج على المجموع لكن اثنينية ذلك اعتبارية أي جعل من كل نوع من أنواع الثمرات الموجودة في الدنيا ضربين وصنفين إما في اللون كالأبيض والأسود أو في الطعم كالحلو والحامض أو في القدرة كالصغير والكبير أو في الكيفية كالحار والبارد وما أشبه ذلك.
وقيل: المعنى خلق في الأرض من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجين حين مدها ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت، وتعقب أنه دعوى بلا دليل مع أن الظاهر خلافه فإن النوع الناطق المحتاج إلى زوجين خلق ذكره
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»